ذ. عبد الحق مرزوك
وتعليقا على حوادث نهب أدوية وأدوات تطبيب مرضى كوفيد 19 التي عرت خصومنا في الغرب، وكشفت عن لؤم في أصلهم وطبعهم البعيد عن قيم المروءة والشرف، التي أعياهم تَكَلفها حضرتنا في كل مناسبة، فلم يقدروا في هذه درأ توحشهم الكبير، وأنانيتهم البغيضة التي آثرت في أبسط أحوالها المال والنفس والدولة على القيم والجماعة والاتحاد…
وهذا معهود فيمن ألف شأنه كله الخسة وانطبع بها، فصار لا يخرج منه إلا النكد، ودعوة بعضهم إلى تجريب الأدوية على شعوب الجنوب مثال قريب. قال تعالى:
(والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) الأعراف: 58.
وكلها بالجملة نواقص في الغرب قد ذبحت ما فضل لديه من زعوم الأمانة والنبل، ودللت على شتاته وتفرقه، فكان كما وصف ربنا تعالى في القرآن الكريم:
( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) الحشر: 14.
فقد توسعت باستيعاب الأزمة لسرقاته العجيبة وتشاغله بنفسه عن بنات دينه وجيرانه الهُوّة بين دوله، وتوسعت جراحاته، حتى صار جسمه الذي طالما ضرب موحدا وبانسياب في كل الجهات لا يستجيب لألم بعضه وشكواه.
وفي هذا سبق الإسلامُ وتقدم. فقد أوصى المسلمين ببعضهم البعض، وحضهم على التعاون والتآزر والتكافل، ويكفيكم في هذا مثال الأنصار مع المهاجرين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما أوصاهم بالمخالفين بينهم، فلا يظلمونهم ولا يحقرونونهم ولا يقتلونهم، ولهم في ذلك أن يبروهم ويحسنوا إليهم مصداقا لقول ربنا: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين ) الممتحنة: 8.
ومثل هذا في تجارب العرب والمسلمين كثير، يعترف الغرب به. فقد خُصَ المخالفون من فقراء أهل الكتاب وغيرهم في دار الإسلام بالهدايا والصدقات، وخص منكوبوهم في أوقات الملمات بالأعطيات.
فقد روى محمد بن الحسن عن أبى حنيفة النعمان رحمه الله تعالى: أن أهل مكة لما قحطوا، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فقرائهم ــ وكانوا على ملة الكفر وعداوة الإسلام ــ شيئا من المال.
ومثله فعلت عائشة زوجه ــ رضي الله تعالى عنها ــ التي كانت لا ترد سائلا. فقد كانت تعطي المسلمين واليهود على السواء. ففي المسند أنَّ يهوديَّةً سألتْها يوما العطية فأعطَتْها.
فصار هذا سنة في أتباعه، وشعيرة يتقربون بها إلى ربه. فقد أوقف خليفته من بعده ــ رضي الله تعالى عنه ــ لنصارى فتوحه ويهودهم من الفقراء شيئا من بيت مال المسلمين أسوة بفقراء الإسلام.
ونافسه على ذلك صاحبه عمر ــ رضي الله تعالى عنه ــ الذي أمر في زمانه لأصحاب الزمانة والآفات منهم بالصدقة، وسير القوافل والمعونات إلى مرضاهم، وألزم عماله بإطعامهم وتطبيبهم حتى يقع الشفاء، ومجذومو دمشق من النصارى بعضهم.
ويدلل سادتنا على هذا الكرم الأصيل فيهم بوصيته ــ رضي الله تعالى عنه ــ في موته بهم، وحرص غيره من الصحابة على مهاداتهم والإحسان إلى مساكينهم.
فقد ذكروا من ذلك تخصيص بعض التابعين لرهبانهم بصدقات الفطر، ومنافحة الأوزاعي عن بعضهم حضرة الملوك والأمراء، وحرص ابن تيمية على فك وغوث أسراهم عند تيمورلنك مثلا، ووصية سلطان المغرب في زمانه محمد بن عبد الله في فرماناته بهم…
وعلى ذلك سار المسلمون بعدهم في كل أرض وزمان.
وقد سجلتم في الله من ذلك تبرعات المسلمين للايطاليين، وهبات المغرب وتركيا وقطر للمنكوبين، وحملات توزيع الطعام والكسوة على مشرديهم وفاقدي وظائفهم…
وكلها لعمري سجايا حاز بها المسلمون الأولية، وحاز بها خصومهم الأمن والدفئ بجوارهم، رغم خبث سرائرهم ومثالبهم التي برأ من أكثرها لصوص بيننا في فترة من الزمان، لما أظهروا في سرقاتهم الرحمة والنبل والدين، وقصة ابن حنبل رحمه الله تعالى مع أبي الهيثم الطرار يوم خلق القرآن معروفة.
فقد أحصى لهم الجاحظ في بعض أعماله من ذلك: ترك الغدر والخيانة، فكان جل بطشهم بمانعي الصدقات والزكاة، وأكلة الحرام من تجار وعمال. فلا يسرقون جارا أو صاحب دين، ولا يكافئون الخيانة بالخيانة، ولا الغدر بصنوه أو مثله، ولا يتعرضون لأرباب البضائع اليسيرة، ويتركون أهل الخير والديانة، ويتركون الضعاف، ويعفون عن النساء…، وكلها محامد عظيمة من فئة ظالمة بيننا، تخبر هؤلاء العلوج عن ديننا وأخلاق تابعيه.
abdelhakmerzoug@gmail.com
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7861