زعيم الخيرالله
الجمالُ قيمةٌ كُبرى من القِيَمِ التي فُطِرَ عليها الانسانُ ؛ فالانسانُ يَعشقُ الوجهَ الجميلَ ، والمنظَرَ الجميل ، والصوتَ الجميلَ ، والشعرَ الجميل ، والادبَ العالي ، والذوقَ الرفيع ؛ ولذلك أَحاطَهُ اللهُ تعالى بالجمالِ من كلِّ جانبٍ . السماءُ فوقه في غايةِ الروعةِ والجمال، والارض في غاية الحسن ، والبشر الذينَ يشاركونهُ العيشَ على هذه الارض الجميلة خلقهم الله في احسن تقويم ، واحسنَ صورهم وأَشكالَهم .
والجَمالُ لُغَةً كما يقول (ابنُ سيده ): ” هوَ الحُسنُ في الخَلقِ والفعلِ” . وعندَ ابنُ الأثيرِ ، الجمالُ يَقَعُ على المعانيِّ والصُوَرِ .
وقد لَفَتَ القرانُ الكريمُ أَنظارنا الى الجمال في كلِّ شيءٍ ؛ فحينما يتحدثُ عن السَّماءِ يتحدث عن الزينةِ والجَمالِ ، كما في قوله تعالى :
(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ). الصافات: الاية: 6.
وعن جمالِ الارض وزينتها يتحدث الله في كتابه الكريم :
(انَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا).الكهف: الاية: ٧ .
وفي الانعام جمالٌ في رواحها وسراحها :
(وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ). النحل: الاية: ٦.
وفي الصبر ، هناك صبر جميل ، وهو الصبرُ الخالي من الشكوى:
(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ).يوسف: الاية:١٨ .
وهناك الصفح الجميل :
(وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ). الحجر: الاية : ٨
وحتى الهجر الذي هو ترك وقطيعة ، الله تعالى يريد لهذا الهجر ان يكون جميلاً ؛لأنَّ الجمالَ يعطي للاشياءِ رونقاً وبَهاءً :
(وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا). المزمل: الاية: ١٠ . وحتى في تسريح المرأة وطلاقها ، ينبغي ان يكون السراح جميلاً :
(فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا). الاحزاب: الاية: ٤٩ .
ولاأُريدُ ان استقصيَ آيات الجمال والزينة والتسوية والتعديل التي تدلُّ على ان الجمالَ نغمةُ الكون ، وبصمةُ الخالقِ الساريةُ في كل ارجاءِ الوجود. وانّ الجمالَ ماحلَّ في شيءٍ الا زانه ، وأَنَّ الاشياء بدونه شوهاء قبيحة .
العقلُ وقيمُ الجمالِ
أَثارَ المتكلمونَ قضيةَ ( الحسن والقبح ) ، وهل هما عقليان أَم شرعيان ؟ فذهب الاماميّةُ والمعتزلةُ والزيديّةُ ، الى أَنَّ الحُسنَ والقبحَ في الاشياء عقليان ؛أَي: انّ العقل قادرٌ على ادراكِ حسنِ الاشياءِ وَقبحِها . وذهبَ الاشاعرةُ الى ان الحسنَ والقبحَ شرعيّان، اي ان العقل غيرُ قادرٍ على ادراكِ الحُسنِ والقُبحِ في الاشياءِ .
ومن منظورٍ جَماليٍّ ، لستُ معَ القَولِ بشرعية الحُسنِ والقبح ؛ لانَّ هذا يؤدي الى القول ان الأنسان العاقلَ لايمتلك حاسةً وذائقةً جماليّةً يُدركُ بها حسنَ الشريعة ؛ وكأَنَّ جماليّةَ الشريعةِ تُفرضُ فرضاً على الانسانِ ، وهذا استهانَةٌ بالعقلِ الانسانيِّ الذي رفع الله قدره ، وهو اول ماخلق الله ، وخاطبه الله تعالى : ماخلقت خلقاً اشرفَ منك ، واستهانةٌ بالانسان الذي كرمهُ الله تعالى بجعله لايدرك الحسن والقبح في الاشياء.
مجتمعاتنا اليوم ، فقدت الذائقةَ الجماليّةَ ؛ وصارت قِيَمُنا الجماليّةُ مقلوبةً فالذائقة الجماليّة السليمة تُدركُ ان النظامَ حسنٌ وجميلٌ والفوضى قبيحة ، ولكن ذائقة مجتمعاتنا الجماليّةَ المقلوبةَ ترى الفُوضى جمالاً والنظام قبحاً وقيوداً .
الذائقة الجماليّةُ السَّوِّيّةُ ترى الحرق والقتل والطعن والذبح قبحاً ، ولكن هبوط الذوق والحاسة الجمالية ترى في هذه الامور جمالاً ، وتدافعُ عنها وتبررها ، وتنقد الذين يدينونها . هذه طواهر ساديّة ، والساديّةُ مرضٌ وقبحٌ .
كانت أمتنا وعلى ضوء قيمها الجماليّة منتجةٌ للحضارة ، وحينما غابت قيمُ الجمالِ انتجت نفس الامة “داعش” ، وهي منتجٌ من منتجاتِ القبحِ “الوهابي” .
حينما فقدنا القيم الجماليّة انتجنا فقه القتل والذبح والاقصاء والتكفير ، وحينما كانت قيم الامة الاخلاقية والجماليّة سليمة ومعافاة ، كان الفقهُ فقهَ تعايش ، فقه يحترم الانسان ويقيمُ حُرمةً لكرامتهِ ودمه.
نحنُ مطالَبونَ اليومَ بإدخال القيم الجماليّة في مناهجنا الدراسيّةِ من أجل انتاج أجيالٍ جديدةٍ تمتلك قيماً اخلاقيّةً وحِساً جمالياً .. بعد أن انتجت مناهجُنا الدراسية اجيالاً مُشَوَهةً تمارس القتلَ والسحل والطعن والذبح .
Source : https://dinpresse.net/?p=6428