22 يونيو 2025 / 16:54

نقد كتاب “أوثان السلفية التاريخية” لعبد الخالق كلاب (8)

محمد زاوي

رواية التاريخ لا تغني عن تفسيره!

يقول د. عبد الخالق كلاب إن تسمية “المغاربة” تعبر في حقيقتها عن “استلاب مشرقي”، فلسنا -في نظره- مغاربة إلا بالنسبة للمشارقة، لا بالنسبة للأمريكيين أو الأوروبيين أو شعوب أخرى ليس “المغرب” مغربا لها. يقول كلاب: “إن إطلاق اسم المغرب على بلدنا ينطلق من مركزية مشرقية، فنحن مغرب بالنسبة المشارقة فقط، ولسنا كذلك بالنسبة لباقي دول العالم، فإذا سلم البعض بصواب التسمية، فهل نحن مغرب بالنسبة للأوروبيين والأمريكيين والأفارقة؟” (عبد الخالق كلاب، أوثان السلفية التاريخية، مرجع سابق، ص 41).

وبدلا من هذه التسمية (“المغاربة”) يقترح د. كلاب تسمية “المور” التي تعني “أصحاب الأرض” و”السكان الأصليين”، بما لها من دلالة على التمسك بالأرض والدفاع عنها، وهو ما عرف عن المغاربة في مواجهتهم للاحتلال الروماني. “لكلمة الموريين -يقول كلاب- هي التسمية المحلية والأهلية (…) وبذلك فالروميون وجدوا الأهالي يتداولونها، فتبنوها، واستعملوها كما كانت تنطق في بيئتها المحلية” (نفس المرجع، ص 41). ويضيف د. كلاب: “ارتباط الموري بأرضه، هو ما أعطانا مناعة ضد كل غزو خارجي، وساهم في تأسيس واحدة من أقدم دول العالم وأعرقها” (نفس المرجع، نفس الصفحة).

وهذا تعليقنا على مرافعة د. كلاب “المورية”:

-أولا: يقول كلاب إننا “مغرب” فقط بالنسبة للمشرق، وربما أغفل طرح سؤال: المشرق “مشرق” بالنسبة لمن؟ وأغفل أن يتساءل: مجتمعات الجنوب “جنوب” بالنسبة لمن؟ ومجتمعات الشمال “شمال” بالنسبة لمن؟ والشرق الأقصى بالنسبة لمن؟ والشرق الأوسط بالنسبة لمن؟ والشرق الأدنى بالنسبة لمن؟ إنها اصطلاحات جغرافية مرتبطة بحركة الإنسان على الأرض منذ القديم (الهجرة)، كما ارتبطت بحركته السياسية في ما بعد (الاستعمار، الغزو، الفتح، الخ). وإذا اعتبرنا خصوصية تسمية “المغرب” بالنسبة للمشارقة (العرب المسلمين) الذي جهزوا حركة الفتوح باتجاهه، فإن هؤلاء المشارقة ليسوا كذلك -ليسوا مشرقا- إلا بالنسبة إلينا. فأينا ينبغي أن يتخلص من “تسميته”؟ نحن أم المشارقة؟

-ثانيا: عندما يلقي كلاب بتسميته الجديدة “المور”، فإنها لا يبالي بالتراكم السياسي والاقتصادي والثقافي، والتاريخي عموما؛ ذلك التراكم الذي بناه المغرب في علاقته بالمشرق، أو ذلك الذي بناه في علاقته بدول المغرب العربي وطموحه -رغم العقبات- لم يعلن المغرب تخلصه منه ولا خروجه عن استراتيجيته، ناهيك عن الرصيد التوثيقي الذي اكتسبته العلاقات المغربية مع كافة دول العالم. فكيف سيعيد المغرب إنتاج واقع دولي وجيوسياسي وحضاري جديد على مقاس د. كلاب؟ أم أنها مجرد دعوة للاستهلاك الطارئ والمؤقت؟! وذلك هو الاستعمال التكتيكي الذي نبهنا إلى ضرورة بقائه في حدود “التكتيك” دون استهداف للاستراتيجية.

-ثالثا: هذا “التمسك بالأرض” الذي أوحى بتسمية “المور”، ألا يحيل الدكتور كلاب على شعوب أخرى عرِفت بتمسكها بالأرض، من قبيل الشعب اليمني الذي يتقاسم مع المغاربة هذه الصفة؟ ألا يدل هذا التشابه بين المغاربة واليمنيين على الأصل اليمني (المشرقي) للأمازيغ، وهو الأصل الذي نبهنا إليه د. كلاب -في مقال سابق- باستحضار نوع من الشواهد التاريخية التي لم يعتبرها (مثل “المومياءات”) وهو يسارع إلى نفي الوصل بين المغرب والمشرق؟!

-رابعا: النقول التي يوردها كلاب بخصوص أصل “تسمية المور” لا تدل إلا على حقيقة واحدة، وهي أن الاحتلال الروماني أطلقها على سكان المغرب الأصليين، علما أنها كانت متداولة بين الأهالي كما جاء في تاريخ استرابون (مؤرخ إغريقي). وهنا يجب التمييز بين التداول الأهلي والترسيم الروماني، فالأول لا ينفي التدخل “الاستعماري” في هذه التسمية، أما الثاني فهو نقلٌ للتسمية من التداول الأهلي إلى الاستعمال “الاستعماري”. وأحد أوجه هذا الاستعمال هو اعتماد التسمية في التأريخ الروماني للمغرب القديم وسكانه الأمازيغ. فهل يحق لنا تعويض تسمية بمضمون تاريخي سيادي حديث بتسمية قديمة وما قبتاريخية لم تسلم من يد الاستعمار؟! هل تصح هذه المغامرة في زمن يطلب التكتل والبحث عن “عناصر الربط” ودمج كافة البنى القديمة والتقليدية في البنى الحديثة حتى تكتسب نجاعتها التاريخية؟!