18 يونيو 2025 / 18:48

نقد كتاب “أوثان السلفية التاريخية” لعبد الخالق كلاب (7)

محمد زاوي

خارج التاريخ.. اضطراب الرواية والدراية!
باعتماده على رواية وردت في كتاب “مفاخر البربر”، “يتوصل” د. عبد الخالق كلاب إلى أن عمر بن الخطاب (ض) هو أول من أطلق وصف “بربر” على المازيغيين؛ وذلك بناء على استنتاجٍ لصاحب “المفاخر” من قول لعمر (ص)، وهو القول الذي لم يدلّ دلالة صريحة على ما تم استنتاجه. فكان سوء استنتاج د. كلاب من سوء استنتاج راوي “المفاخر” (المجهول).
فإذا كان الصحابي عمر بن الخطاب (ض) قد اكتفى برواية ما في علمه من أسباب تسمية “الأمازيغ” بـ”البربر” قائلا: “إن قيسا ولد أولادا كثيرين، فسمى بعضهم براً، فخرج مغاضبا لإخوته في ناحية المغرب، فقالت العرب بربر أي توحش”؛ فإن كلاب وقبله صاحب “مفاخر البربر” استنتجا ما لا يدل عليه كلام عمر (ض)، بأنه “أول من سماهم بهذا الإسم (أي البربر)” (عبد الخالق كلاب، أوثان السلفية التاريخية، ص 39-40). ولا ندري كيف كان هذا الاستنتاج من كلام لا يدل عليه دلالة جوهرية، حتى لا يقول أحد إن عمر (ص) يدخل في عموم العرب وقد جعل الرائج بينهم خطاب “دولة”.
“تأسيسا” على ما سبق، يقول كلاب: “إن إلصاق صفة التوحش بالأمازيغ، كان كافيا لتبرير الأفعال الشنيعة التي ارتكبها المشارقة في شمال إفريقيا، التي على كل حال لا يمكن أن نسميها فتحا إسلاميا، لأن الإسلام بريء منها، فاستعمالك اليوم لكلمة البربر، يعد جلدا للذات، وتبريرا لأفعال الغزاة” (نفس المرجع، ص 40).
يظهر بوضوح، من خلال هذا المثال من الاستنتاج “الكُلّابي”، كيف يسارع د. كلاب إلى القول ب”تبرير المشارقة عزوَ الأمازيغ ببرريتهم” باعتماد: أولا: كتابٍ مؤلِّفه مجهول ويبني على الرواية الشفهية في التأريخ (بغض النظر عن البحث في مدى ثبوته)؛ ثانيا: استنتاجٍ لا تدل عليه الرواية دلالة صريحة كما توهم صاحب “المفاخر” ومعه د. كلاب. وبهذا يتأكد مجددا قولنا بأن “بحث” الدكتور كلاب موجَّه توجيها إيديولوجيا لا يهدأ بال وحال صاحبه إلا ب”اصطناع نوع من التناقض السياسي والإيديولوجي بين المشرق والمغرب”. وفي سبيل “تمييز الإنسان الموري وتخليصه من قبضة المشرق- في زعم كلاب”، فلا حرج في اعتماد الرواية الشفهية، ولا حرج في استنتاج معيب يجعل العيب مضاعفا (في الرواية والدراية/ في الثبوت والدلالة/ في التأريخ والمعنى).
ومما يثير الاستغراب أيضا كيف سارع كلاب إلى استنتاجه دون تقصي كافة الروايات الواردة، ومنها أن “البربر” وصف أعم من الأمازيغ/ المازيغيين، وأنه كلمة يونانية في أصلها الأول (بَرْبَروس) وتعني “الأجنبي”، قبل أن يستعملها الرومان في وصف الشعوب التي احتلوها حيث ستكتسب معنى “الهمجية والتوحش” (يظهر هذا المعنى في تأريخ سالسيطوس الروماني للمازيغيين/ راجع كتاب “البربر” لمؤلفه عثمان الكعاك، منشور تامغناست، ص 26-27). وإذا كان كلاب يجعل من هذا الاستعمال معطى قابلا للتقييم “الأخلاقوي”، فعليه أن يعلم أن ذلك ليس من صَنعة المؤرخ الذي يثبت “الحدث التاريخي”، ولا هو صنعة “فيلسوف التاريخ” الذي يفسر هذا الحدث موضوعيا باعتبار التفاوت الذي كان قائما بين الرومان وغيرهم من الشعوب المسماة عندهم “بربرية” آنذاك (ومنها الأمازيغ).
وفضلا عن اضطراب رواية د. كلاب ودرايته، فإن استدعاءها في الشرط المغربي لا يعكس واقعنا ولا حاجتنا. في الواقع، يعيش المغاربة شعبا واحدا لا يُحتقر فيه الأمازيغي عند العربي، ولا هذا عند الأول. لا يحس السوسي بالغربة في مدينة كالدار البيضاء أو الرباط، ولا هو الدكالي أو العبدي يحس بغربة في أكادير أو الحسيمة أو إفران. فلماذا الحديث، إذن، عن تناقض بين مشرق ومغرب/ عرب وأمازيغ لا نرى له وجودا جوهريا في مجتمعنا؟! إن الحاجة التكتيكية إلى تأكيد “الخصوصية الثقافية المغربية” لا ينبغي أن يجرنا إلى التكريس الاستراتيجي لقضايا ليست من استراتيجيتنا، وإن تفهم هذه الحاجة لا ينبغي أن يغفلنا عن حاجة أكبر “وحدة المغاربة وتماسك مجتمعهم واستقرار دولتهم”.
(يتبع)