16 يونيو 2025 / 16:43

نقد كتاب “أوثان السلفية التاريخية” لعبد الخالق كلاب (6)

محمد زاوي

التأريخ ليس تأويلا إيديولوجيا!
(نقد لفصل “فتح أم غزو؟”/ من ص 31 إلى ص 38)
غاية المؤرخ، صاحب صنعة “التأريخ”، أن يقرأ “الحدث التاريخي” في “الشواهد التاريخية”؛ غايته أن يؤرخ لفترة تاريخية معينة، أن يحدد عناصرها ومكوناتها جميعا، لا أن يقيّمها إنسانويا تحت وقع “إيديولوجيا موجِّهة” هي “حق الإنسان الموري في الوجود والاستقلال عن المشرق”. إن الدكتور عبد الخالق كلاب عندما يتحدث عن “الغزو المشرقي للبلاد المورية” -كما يسميه- لا يمارس عملية “التأريخ”، وإنما عملية أخرى يمكن تسميتها “أدلجة الحدث التاريخي”. والسؤال هنا: كيف تتم هذه الأدلجة؟ إنها تتم بجملة أساليب استعملها د. كلاب، ونذكر منها:
-السرد التأويلي للأحداث التاريخية:
بحيث لا يكتفي د. كلاب يسرد الأحداث التاريخية معتمدا على شواهدها -وإن كانت أغلب شواهده رواية، وإنما يدرج بين الفينة والأخرى، وبين فقرة وأخرى، معنى من أدلوجته المورية أو عبارات من قبيل: “المؤرخ الموري” الذي ارتضى روايات تاريخية تشرعن ما يسميه كلاب “الغزو”، أو “الثورة المورية” التي وقفت في وجه المشروع الأموي في المغرب، وهو الذي كان ممثلا في “البلاد المورية” بموسى بن نصير وعقبة بن نافع. هكذا يحكي كلاب، في جعل من نفسه لا مؤرخا صاحب “صنعة”، بل قائدا مع كسيلة أو غيره من القيادات “المورية” كما تحلو له تسميتها؛ وعلى حين غفلة من قارئه يدرج نفسه كـ”قائد موري” في أخدات تاريخية لا تعتمل عناصرها بهواه.
-الانتقائية في التأريخ:
ففي حديثه عن “الغزو الأموي” لـ”بلاد الموريين”، لا يتحدث د. عبد الخالق كلاب إلا عن “شناعة” سلوك “الغازين” -كما يسميهم- بقيادة موسى بن نصير وعقبة بن نافع. ومن حيث كان يظن -ظنا زائفا في مرجعية التاريخ كما هو- أنه يوجِّه نقدا “تاريخيا” لابن عذارى وابن خلدون، وقد شرعنا “مظاهر الغزو من سبي وقتل ومطاردة” و”احتفيا” بها رغم “موريتهما”؛ من حيث كان يظن ذلك فقد كان دونهما في اعتبار “ضرورة التاريخ” وما يحكمها من اضطرار وما تفضي إليه من “تقدم” في التاريخ بمطلوب التاريخ. لقد كانا مؤرخي دولة، يحتفيان بالمنحز السياسي والإداري والإيديولوجي الذي تحقق، لا بسلوك موسى بن نصير أو عقبة بن نافع في هذه الحالة أو تلك، كما يزعم عبد الخالق كلاب.
-حشد ما لا يصلح دليلا لإثبات تأويل خاص:
في سياق محاولاته لإثبات “غزو الأمويين الموريين”، يخوض د. كلاب نقاشا ليس من صميم ما يقتضيه هذا الإثبات، وإن كان له صلة عرَضية به في وجه من الوجوه. والحديث هنا -على سبيل المثال- عن قوله بـ”عدم وصول عقبة بن نافع إلى السوس الأدنى”، محاولا من خلالها نفي المناقب التي نسبت لعبة في بعض الروايات. فلا “عدم وصول عقبة إلى السوس الأدنى” ينفي مناقبه (وإن كانت الروايات التي ذكرتها تقول بوصوله إلى هذه المناطق)، ولا هي إثبات جوهري لعملية “الغزو” التي يقول لها. إن عبد الله العروي الذي يستشهد كلاب ببعض العبارات من كتابه “مجمل تاريخ المغرب”، في محاولته لـ”إثبات عدم وصول عقبة إلى السوس الأدنى”؛ هو نفسه العروي صاحب كتاب “مفهوم التاريخ”. ولا ندري هل للدكتور كلاب حظ من هذا الكتاب؟! فلو كان له حظ من “مفهوم التاريخ” لوجدنا له أثرا في كتابه “أوثان السلفية التاريخية”، وهو ما نبحث عن بصيص أثر له إلى حدود كتابة هذه الكلمات!
-استبدال “أدلوجة تاريخية” ب”أدلوجة لا تاريخية”:
إن د. عبد الخالق كلاب من حيث لا يدري يستبدل “أدلوجة تاريخية” ب”أدلوجة لا تاريخية”، يستبدل -من غير وعي- تاريخ دولة بتأويل خاص للـ”حدث التاريخي”. إن ما يسميه د. كلاب “أوثان السلفية التاريخية” هو ما تجعل الدولة من أغلبه -أو من كثير منه على أقل تقدير- رواية تاريخية لها، وهو ما يشكل أساسا من أسس أدلوجتها السياسية والثقافية، بل حقيقة الدولة وأفرادها، لا حقيقة “الفرد الموري” الذي يريد كلاب أن يخرجه من التاريخ، بل أن يجعله حكما على “الفعل التاريخي” بضروراته التي لا تخضع لرغبات الأفراد، فضلا عن “التأويل الإيديولوجي” لأحدهم أو فئة منهم. صحيح أن ما يمارسه د. كلاب بحث في التاريخ، لكنه أيضا خطاب في السياسة. فما الخلاصة إذا كان معيبا في البحث التاريخي، غير سديد في السياسة؟ معلومات في حاجة إلى ترشيح وترتيب، وخطاب سياسي لا يخدمنا استراتيجيا.
(يتبع)