سعيد الكحل
مرت سنوات على رئاسة البيجيدي للحكومة دون أن تعرف الساحة النقابية حركة احتجاجية جادة من طرف نقابة الجامعة الوطنية لموظفي التعليم المنضوية تحت الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابية لحزب العدالة والتنمية. بل الثابت أن هذه النقابة اصطفت إلى جانب الحكومة وساندت رئيسها بنكيران في كل القرارات الجائرة التي اتخذها ، خاصة تلك التي تستهدف الحقوق والمكتسبات التي راكمتها شغيلة التعليم بنضالاتها المستميتة وتضحياتها الجسيمة التي كلفتها الطرد والتوقيف والقهقرة ، زمن كان للنضال ثمن باهض.
اليوم، وبعد إصرار الأساتذة “الذين فرض عليهم التعاقد” ، والذين تجاوزت أعدادهم مائة ألف أستاذ وأستاذة ، على تصحيح الوضعية الإدارية والمالية والاعتبارية التي فرضتها عليهم حكومتا بنكيران والعثماني ، عبر خوض معارك نضالية متواصلة حتى إسقاط نظام التعاقد وإدماجهم في سلك الوظيفة العمومية، تملصت نقابة البيجيدي من تواطئها المخزي ضد نساء ورجال التعليم ، معلنة عن إضرابات مسرحية القصد منها الركوب على الحركة الاحتجاجية واستغلالها لأهداف سياسوية خصوصا وأن موعدي فاتح ماي الأخير من عمر الحكومة وكذا الانتخابات على الأبواب وليس في زاد البيجيدي ونقابته ما يقدمانه من مكتسبات يزايدان بها على باقي الأحزاب والنقابات المنافسة.
فبدون حشمة أو حياء تعقد نقابة البيجيدي ندوة صحفية يوم 1 أبريل 2021 تكشف فيها عن “دواعي الاحتجاج والاستمرار في التعبئة النضالية للساحة التعليمية” ، أجملها الكاتب الوطني للنقابة في “الاستفراد بقرار إصلاح المدرسة الوطنية المغربية والشروع في تنزيل القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي بعيدا عن منطق الشراكة مع الفرقاء وشركاء المدرسة، ورفض تغليب المقاربة الأمنية لمواجهة نضالات الشغيلة بدل إعمال منهجية الإنصات والحوار، وضعية الحوار القطاعي والتراجع عن المكتسبات المتراكمة في هذا الباب، وتعثر إخراج النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية والمصير المجهول”.
طبعا لم يغفل عن الدعوة إلى “التعجيل بإخراج نظام أساسي .. يكون منصفا ومحفزا وأن يكون دامجا وموحدا لكل الفئات والمكونات العاملة بالقطاع بما في ذلك الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”. لعل المثير في هذه الندوة هو محاولة النقابة استبلاد الشغيلة التعليمية عموما ، والفئة التي فرض عليها التعاقد على وجه الخصوص. فلا معنى لأن يتباكى كاتب النقابة إياها عن “التراجع عن المكتسبات المتراكمة”، ونقابته باركت الإجهاز عليها وساندت رئيس الحكومة السابق بنكيران في قرارات التراجع والمصادرة التي عصفت بعدد من الحقوق كانت تتيح فرص الترقي الإداري والمادي السريع أمام نساء ورجال التعليم ، فضلا عن تطوير معارفهم وتحسين مداركهم بما يفيد العملية التعليمية ويرفع من المردودية .
ويتعلق الأمر أساسا بقرار إلغاء الترقي بالشهادات الجامعية والدبلومات العليا التي درجت وزارة التعليم على اعتمادها في الترقي منذ الاستقلال حتى تعيين بنكيران على رأس الحكومة. ونفس الأمر يتعلق بالرتب التي كان المرور إليها يتم تلقائيا عند استيفاء المدة القانونية، فتم إلغاؤه لتضيع حقوق الكثير من الأساتذة ، خصوصا الذين يعملون في المناطق النائية حيث يتعذر على السادة المفتشين القيام بمهامهم داخل الآجال المحددة .
فهل يمكن لقيادة هذه النقابة أن توضح للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد أسباب تواطئها مع الحكومة لفرض التوظيف بالتعاقد والتزامها الصمت خلال اجتماع دجنبر 2016 الذي عقده وزير التعليم السابق رشيد بلمختار مع النقابات حيث أعلنت الوزارة التخلي عن التوظيف العادي والانتقال إلى التوظيف بالعقدة ؟ فلا بيان تنديدي بهذا التراجع الخطير عن نظام التوظيف ولا موقف احتجاجي ينبه الحكومة إلى الانعكاسات الخطيرة لقرار التوظيف بالعقدة على منظومة التربية والتعليم .
تواطؤ أملته إستراتيجية حزب العدالة والتنمية التي اتخذها أمينه العام السابق بنكيران وأعلنها ، وهو رئيس الحكومة ومن داخل البرلمان ، بأن على الدولة أن ترفع يدها عن التعليم والصحة .وانخرط في هذه الإستراتيجية الخطيرة برلمانيو الحزب لما عارضوا الرفع من ميزانية الوزارتين ، علما أن المبررات التي قدمها بنكيران حين قرر تحرير أسعار المحروقات، بكون عائدات التحرير (35 مليار درهم) ستخصص لدعم جهود الدولة لتوفير وتجويد الخدمات لاجتماعية.
فعلا كادت الدولة أن ترفع يدها على قطاعي التعليم والصحة ، خصوصا بعد تصريحات لحسن الداودي “لي بغا يقري أولادو يدير يدو في جيبو” لولا جائحة كرونا التي فضحت كارثة هذه الإستراتيجية كما فضحت للاستجابة التلقائية لحكومة البيجيدي لإملاءات صندوق النقد الدولي التي ترجمها بنكيران وبعده العثماني إلى رزنامة من القرارات والقوانين ( إلغاء صندوق المقاصة وتحرير الأسعار ، إصلاح/إفساد نظام التقاعد ، التوظيف بالتعاقد ، إلغاء الترقي بالشهادات الجامعية ..). فلا غرابة ،إذن، أن يُجْهز البيجيدي على حقوق ومكتسبات نساء ورجال التعليم ما دام أمينه العام ورئيس الحكومة السابق بنكيران يصف الأساتذة “بالڴراد”.
إن المسؤولية الكاملة في التراجع عن المكتسبات يتحملها البيجيدي في شخص رئيس الحكومة السابق والحالي، وأي محاولة لتحميلها لوزير التعليم فهي خديعة لن تنطلي على الأساتذة. ذلك أن وزير التعليم يتحرك داخل الإطار الذي يحدده رئيس الحكومة ولا يمكنه تجاوزه. من هنا يصدق على تباكي نقابة البيجيدي على أوضاع الأساتذة المثل الشعبي “ياكلو مع الذيب ويبكيو مع الراعي”.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14120