15 يونيو 2025 / 14:06

نفحات من تصوف فريد الدين العطار

ثريا ذاكر

اعتبرت دار النشر التي طبعت هذا الكتاب أنه وثيقة نفيسة من نفائس المذهب الصوفي، لأنه يجلى دروب التصوف في فصولٍ، وأبواب، ومن يقرأ هذا الكتاب يجد أن الكاتب قد عبَّر عن المذهب الصوفي عَبْرَ آفاق رحبة أصّل فيها هذا المذهب تاريخيا، وفلسفيا، وعقديا، وأجلى السمات التي ميّزت كل حقبة تاريخية وُجِدَ فيها هذا المذهب، ومدى الدور الذي لعبه في إثراء الحياة الأدبية، التي ذخرت بأعلامٍ من الشعراء، والعلماء الذين سلكوا درب التصوف.

يتناول الكاتب الذي حرر مقدمته الكاتب المصري خالد محمد عبده، حياة الصوفي فريد الدين العطار، كما يتطرق إلى المكانة التي وصل إليها بين أنداده من رواد هذا المذهب، كما تناول الكاتب الطريقة التي انتهجها العطار في معرفة الله، والتي أعلى فيها الوجدان على العقل، علوا لا يُغفل العقل بقدر ما يجعله مرشدا للوصول إلى طريق العشق الإلهي الذي تتجلَى صوره في إبداع الخالق لأشكال الخلق، ثم تحدث الكاتب عن القضاء والقدر عند الصوفية، وطريقتهم في الوصول إلى الله سبحانه وتعالى.

يرى المؤلف أن المدقق في تاريخ الصوفية أن تصوف المسلمين وجد مبادئه في الكتاب والسنة، ووجد الآخذون به في الجامعة الإسلامية منذ كانت وتطور من تصوف عمر وعلي وابن عمر وابن عمرو إلى تصوف الحسن البصري وعمرو بن عبيد وسفيان الثوري ورابعة العدوية ثم إلى تصوف بشر الحافي ومعروف والجنيد ــ أي مذهب الإمام الجنيد الذي يُعتمد هنا في المغرب الأقصى ــ والشبلي وأبي يزيد ثم إلى تصوف ابن عربي والجبلي والعطار والرومي… إلخ.

لقد نشأ التصوف في المجال الإسلامي وتطور وتأثر بمذاهب أخرى كما يتأثر كل مذهب – كثيرا أو قليلا – بالآراء والمذاهب المتصلة به، ولو لم يكن للنصارى رهبانية، وللبوذيين، رياضة، ولأفلوطين فلسفة؛ لنشأ التصوف في الإسلام، وتطور مع الرجال والعصور والأحوال، ولكنه حين وجد هذه الفرق استعان بما يلائم مقاصده منها.

بالنسبة لصوفية، مؤلف الكتاب، عبد الوهاب عزام، يؤكد خالد محمد عبده، أنها ليست مذهبية بالمعني الطُرقي وليست زهدا وانقطاعا عن الحياة، وإنما صوفيه روح ونقاء نفس صوفية العالم، كما وصفها الدكتور المحاسني “صوفية عزام علمية تقوم على أسس سليمة مستخلصة من الدراسات الفلسفية فهو قد اطلع على تاريخ الفرس لـ”بروان” وعلى كتاب التصوف الاسلامي لـ”نيكلسون” وعرب كتبا مصدرها المنابع الصوفية وبخاصة كتب فريد الدين العطار، وقد درس التصوف من منابعه الأولى عند الأمم فإذا نحا عزام منحى الدراسات الاسلامية وجد أن التصوف الاسلامي لم يأخذ من الفرس ولا الهند ولم يورد موارد اليونان وإنما هو نابع من ذات الروح الاسلامية. ويضيف المحاسني: “وما أحسب كاتبا على ضفاف النيل تمثلت في حياته وآثاره خصائص العروبة وطوابعها كما تمثلت في حياة عزام وفى، جهاده واتجاهه، وكما تجلت في سلوكه، وثقافته، وفى رحلاته، وصوفيته الإسلامية التي كانت وراء سعيه وتقواه:

يرى فريد الدين العطار أن من أسكرته الحقيقة يحيد عن الشرع أحيانا، ولكن ينبغي أن يبقى الصوفي صاحيا، قائلا: “لا تَحِدْ عن الشريعة لمحة؛ لئلا تقول مقالة منصور الحلاج لا تبق في البحر واعمد إلى الساحل ولا تسلم نفسك للسكر من جرعة أو جرعتين، عليك بالصحو وإن شربت كل دنان الحانة”، لهذا، الحلاج – في رأي العطار – ملوم، لأنه باح بالسر وقد خالف الشرع، وبهذا استحق العقاب، وقد أخذوه بالشرع ولم يروا كنه الحقيقة.

لا يتردد العطار في تأويل كل قول للصوفية مخالف في ظاهره للإسلام، وتحمسه للدفاع عن الحلاج دليل كاف لإثبات هذه الدعوى، كما يوصي باتباع الشرع في كل صغيرة وكبيرة، ويرى أن الصوفي لا يُعفى من التكاليف إلا إذا غلب على عقله، وهو يروي في وادي التوحيد من منطق الطير أن لقمان السرخسي لما بلغه الكِبَرُ ناجى ربه قائلا: “رب إن السيد يعتق عبده إذا كبر، وقد كبرت في طاعتك”، فسمع لقمان مناديًا أن من يريد العتق يمحي عقله وتكليفه معًا؛ فاترك هذين وأقبل قال: إلهي إنما أطلبك أنت لا حاجة بي إلى العقل والتكليف. ويخرج لقمان من العقل والتكليف ويمضي في جنونه ويقول الآن لا أدري من أنا”.