ذ. محمد جناي
عالم اليوم يعيش تغيرات متسارعة ومتلاحقة ، في خارطته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ،جعلت من المخاطر و الأزمات جزءا متأصلا من الحياة اليومية لأي فرد ، وواقعا حتميا،نتج عنه بروز بيئة غير آمنة ساهمت جميعها بشكل مباشر في انزواء الفرد ووقوفه حائرا في كثير من الأحيان أمام هذه التحديات ، والمؤسسات التربوية بدورها ، ليست بمنأى عن هذه التحديات ، فهي أيضا في مرمى تأثير الأحداث المتسارعة ، وما نتج عنها من مخاطر تهدد كيانها وتواجدها الحالي والمستقبلي ، مما جعلها عرضة في تحقيق أهدافها والرفع من أدائها و حتى استمراريتها.
وبالتالي فإن مسألة التعامل مع المخاطر والأزمات لم يعد بالأمر السهل، بل أصبح يتوقف على أسلوب القيادة في إدارتها بدءا بمحاولة التنبؤ بها مرورا بالعمل على احتوائها وتقليل آثارها وانتهاء بمعالجة نتائجها والاستفادة منها ، ومن هنا يتضح لنا أن طرق إدارة المخاطر والأزمات يحتاج إلى” القيادة التي تتميز بالفكر والرؤية اللذان يسهمان في استشراف المستقبل والتهيؤ له بما يوائم متغيرات البيئة الخارجية المختلفة وعبر الاستثمار الأمثل لكافة القدرات المتاحة المادية والمعنوية مع التركيز على المواهب البشرية والعمل على التطوير المستمر من خلال الابتكار والإبداع وصولا للأهداف المتجددة التي تبقي المنظمة في وضع تميز تنافسي “.(طارق مفلح أبو حجير ، القيادة الاستراتيجية ودورها في إدارة المخاطر والأزمات 2014)
و مصطلح ” إدارة المخاطر ” حسب ماورد في الدليل الاسترشادي لبناء نظام المخاطر المؤسسية عن مؤسسة أوقاف، فيعرف حسب أهم معايير وممارسات المؤسسات العالمية وهي كالآتي:
1 – تعرف المخاطر طبقا لمعيار ايزو بأنها :” حالة عدم اليقين التي من الممكن أن تؤثر على الأهداف الاستراتيجية للمنظمة ( القطاع العام أو الخاص) ، وعليه فإن التأثير الناتج من المخاطر قد يكون سلبيا ( التهديدات ) أو أيجابيا ( الفرص) ، ويكون اهتمام إدارة المخاطر بزيادة احتمالية حدوث الفرص أو تقليل احتمالية وتأثير التهديدات”.
2 – تعرف إدارة المخاطر طبقا لمعهد إدارة المخاطر البريطاني IRM بأنها :” عدد من الأنشطة التي يجب أن تدمج ضمن ثقافة المنظمة من خلال سياسة فعالة وبرامج متعددة بقيادة الإدارة العليا التنفيذية “.
3 – تعرف إدارة المخاطر المؤسسية بحسب معهد المراجعين الداخليين IIA بأنها :” نهج منظم ومتسق لإدارة الخطر من خلال تحديد وتقييم واتخاذ قرار الاستجابة المناسبة له وبناء تقارير التهديدات والفرص التي قد تؤثر على أهداف المنظمة مما يعود بالفائدة عليها بشكل كامل “.
وعليه فإن طرق إدارة المخاطر والأزمات عملية إدارية خاصة تتمثل في مجموعة من الإجراءات الاستثنائية التي تتجاوز الوصف الوظيفي المعتاد لمهام القيادة الإدارية التربوية ، وتتمثل هذه الإجراءات وكما جاء في الدليل الاسترشادي لبناء نظام المخاطر المؤسسية، حسب المراحل التالية:
المرحلة الأولى : تحديد المخاطر
الهدف من تحديد المخاطر هو تحديد وتوثيق جميع المخاطر ذات العلاقة مع كافة أصحاب المصلحة، والتي يمكن أن تؤثر على الأهداف الاستراتيجية أو تساعدها على تحقيقها، وهذه المرحلة تستوجب اتباع التوجيهات التالية: أولها يجب أن يشارك في تحديد المخاطر العاملين بالمؤسسة الذين لديهم المعرفة الصحيحة؛ لأن الأمر يتطلب معرفة بالمؤسسة وبالبيئة الداخلية والخارجية لها ، والبيئة القانونية مع معرفة تامة بالأهداف الاستراتيجية والتشغيلية. وثانيها : خطة إدارة المخاطر نشاط مستمر لا تنتهي بمجرد إعداد خطة إدارة المخاطر ، فقد تظهر المخاطر في أي وقت أو أثناء أنشطة ومشاريع المؤسسة. والأخيرة : أن خطة إدارة المخاطر عمل تشاركي يشارك فيه الموظفين وقد يحتاج أن يشارك فيه أصحاب المصلحة.
المرحلة الثانية : تحليل المخاطر
يمكن استخدام عدد من الاستراتيجيات لتحليل المخاطر ومنها : تحليل SOWT أي نقاط القوة والضعف والتهديدات والفرص ، وهي أداة تحليلية متعارف عليها يمكن استخدامها كداعم في عملية تحديد المخاطر ، حيث يتم تحديد النطاق والسياق، ثم تحديد نقاط القوة والضعف للمؤسسة مع أصحاب العلاقة ، ومن ثم البدء بتحديد الفرص المتوفرة في البيئة الخارجية وكيفية استغلالها، وأخيرا تحديد التهديدات والمخاطر المحتملة وكيفية استخدام نقاط القوة التي تم تحديدها مسبقا لمواجهة هذه المخاطر.
وتتضمن عملية تحليل المخاطر شقين أساسيين: الأول تقييم كل مخاطرة من حيث ضررها المحتمل على المؤسسة. والثاني : ترتيب المخاطر حسب أولوياتها.
المرحلة الثالثة : الاستجابة للمخاطر
تتضمن الاستجابة للمخاطر مهمتين أساسيتين وهما : التخطيط لكيفية الاستجابة للمخاطر، و تنفيذ ومراقبة خطط العمل المعدة للاستجابة للمخاطر.
المرحلة الرابعة : تتبع المخاطر ورفع تقارير عنها
يعتبر التسجيل والتقارير خطوة مستمرة داعمة في عمل لجنة المخاطر في مسؤولياتهم تجاه بيئة المخاطر ومتابعتها لتفعيل المسؤولية تجاه المخاطر من كافة المستويات.
وبالجملة ، تضمن عملية إدارة مخاطر المؤسسية الناجحة بالمؤسسات إدراك المؤسسة الكامل بكل المخاطر وتداعياتها،وبالتالي ، يساعد نموذج إدارة المخاطر المؤسسية في تقديم فوائد ملموسة في مجالات أو نواحي عدة ، منها الحد من التكاليف ، وتحقيق إنجازات في الامتثال للقواعد والقوانين الجاري بها العمل والوصول إلى درجة الوعي الكامل بالمخاطر التي تواجهها المؤسسة.
Source : https://dinpresse.net/?p=20075