18 سبتمبر 2025 / 23:02

موكب سلطاني في قلب الدار البيضاء

محمد خياري

يمر موكب أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، كأنه شريط من نور يتلألأ في دروب الدار البيضاء، تلك المدينة التي تحتضن في صمت حجارتها أرواح الأجداد، وتهب في أزقتها نسمات الولاء والمحبة الخالصة. هي المدينة التي لا تغيب عن القلب وإن عزلها البعد، تنبض باسمه كما تنبض المآذن بذكر الله، ويزين النسيم الذي يلامس وجهها بوشاح دعاء يسمعه الكون: “عاش الملك”.
ومن رحم الروح المغربية، من بستان الحنان والوفاء الشعبي، ترتفع كلمة صادقة نابعة من فم امرأة طيبة، تقول: “عاش الملك”. تلك الكلمة ليست مجرد نطق، بل هي طيف رجاء وخضوع، وعبير صدق يتردد كأنه نبض كل قلب مغربي، تنهدت بلسان لا يُنطق به، لكنها تسجل على صفحات الروح: “يا رب احفظه، يا رب”.
في نظراتها شوق لا يُقال وحب لا يُكتب، مرايا للنقاء الروحي الذي يحكي عن عهد بين السلطان وقلوب رعيته، حيث الروح تلتقي بالإخلاص وتتناثر الأماني مع عبق الدعاء، فتسكن القلوب في صمت مجلّ، كأنه لحن موكب سلطاني يرفرف بأشرعة المجد والبركة في سماء الوطن.
حين يتجه جلالته نحو تدشين مشاريع تنموية في ميناء الدار البيضاء، تلك النافذة التي يطل منها المغرب على العالم، يتجلى معنى العودة إلى الأصل، إلى النواة الأولى، الخلية الأم التي انطلقت منها المدن العصرية، وتفرعت الرؤى والسياسات. فالميناء ليس مجرد منشأة، بل هو قلب الدار البيضاء، والدار البيضاء هي الميناء، تمامًا كما أن الملك هو الوطن، والوطن هو الملك.
كنت أفتح قلبي للحنين لأغبط طنجة بمينائها الواسع، والداخلة التي ستكشف للعالم أبواب إفريقيا، ولكن هاهو ميناء الدار البيضاء اليوم بالحضور الملكي، وبمشاريع البناء والتحديث، يُعلن بصمت سلطاني: أنا الأصل، أنا المهد، أنا النواة التي منها تنطلق السفن وتعود.
ما قام به جلالة الملك محمد السادس ليس فقط توسعة مرفأ، بل هو عودة إلى جوهر السلطنة، إلى جوهر الوطن، ليرمم أساسات الحاضر وينظر بعين ملكية واسعة إلى أفق بلا حدود. عين مغربية تليق بتاريخ هذا البلد، لا تنظر فقط إلى البحر، بل إلى المستقبل الذي يصنعه الطموح والكرامة.
ارتقِ يا مغرب محمد السادس، ففي أفق العالم المكشوف، ترانا شعوب متعددة وأمم كثيرة، ولكنك أنت الدعوة للسمو، ليس فقط في البناء، بل في صدق الرؤية، وعلو الطموح، وإبداع هندسة المستقبل. لا تكتفِ بالسير على خطى الآخرين، بل اسعَ لأن تكون أمةً تلهم، تبهر، وتُعيد تعريف الممكن في قلب العالم العربي وإفريقيا التي طالما حُصرت أمانيها في حدود الضرورة.
لا ترفض ناطحات السحاب ولا المطارات الكبرى ولا الطرق السريعة والموانئ والقطارات الفائقة السرعة، استقبل العالم بأذرع مفتوحة، وانقل له صورة عن نفسك، عن قدرة هذا الشعب على الإنجاز، عن احترامه للزمن، وعن طموحه اللامحدود ليقف في مصاف الدول التي يُحترم فيها الداخل والخارج.
نهضة الأمم لا تُبنى بالشعارات، ولا تتحقق بالخطابات، بل بالمشاريع التي تترك أثرًا يُحس ويُرى. والمغرب في عهده المجيد، عهد محمد السادس، اختار أن يخاطب العالم بلغة الإنجاز. هذه المشاريع ليست مجرد بنايات، بل رسائل قوة سياسية، اقتصادية ورمزية تُعلن دخول المغرب نادي الدول الصاعدة، ليس إقليميًا فقط بل عالميًا.
حين ينبهر الأجنبي بحجم التطور الذي شهده المغرب، فإن ذلك شهادة لا تُشترى. اعتراف ضمني بأن المغرب يسير في درب الحق، يُحدث الفرق الذي يُرى خارج الحدود قبل أن يُحس داخلها. هذا الانبهار ليس نتيجة البنيان فقط، بل نتيجة منطق يحكم القرار: منطق الاستمرارية، والرؤية الثاقبة، والقدرة على الإنجاز رغم الصعاب.
فالمغرب في عهد محمد السادس لا يكتفي برصد الإنجازات، بل يرتقي بالهيبة، ويفرض احترامه، ويبهر زواره، ويجعل اسمه يُتداول في المحافل الدولية كنموذج يُحتذى به.
الرسالة واضحة: المغرب في عهد محمد السادس لا يراهن فقط على التنمية، بل يراهن على الكرامة، على السيادة، وعلى أن يكون أمة تحظى بالاحترام، لا لأنها تطالب به فقط، بل لأنها تستحقه عن جدارة.