كريمة العزيز
هل الإسلام حكرٌ على أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقط؟ وهل من لم يُعرف بهذه التسمية لا يُعد مسلمًا؟ وإذا كان القرآن يعلن بوضوح: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” (آل عمران: 19)، فهل يعني هذا أن كل من لم ينتمِ إلى الإسلام بهذا الاسم محكوم عليه بالهلاك، ولو آمن بالله وعمل صالحًا؟
عند التأمل بعمق في النص القرآني، نجد أن الإسلام ليس مجرد اسم أو بطاقة انتماء مذهبي، بل حالة قلبية وروحية تُعبّر عن تسليم الإنسان لله وإخلاصه للحق. فإبراهيم عليه السلام وصفه الله بأنه: “حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (آل عمران: 67)، ويوسف عليه السلام دعا ربه قائلاً: “تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ” (يوسف: 101)، والحواريون مع عيسى عليه السلام قالوا: “فَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” (آل عمران: 52).
فهل كان هؤلاء يعرفون شيئًا عن ملة محمد، التي لم تكن قد بُعثت بعد؟ يبدو أن جوهر الإسلام – كما يطرحه القرآن – سابق للأسماء والانتماءات، ومبني على التوحيد والإحسان، لا على الشكل أو الاصطلاح.
إن هذا الفهم يدعونا لإعادة النظر في معنى “المسلم” في ميزان الله: هل هو من نطق بالشهادة فقط؟ أم من صدق التوحيد بقلبه، وأحسن عمله، وسلم لله في سرّه وعلنه؟ القرآن يجيب عن هذا حين يقول: “وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا” (النساء: 125)، ويؤكد أن الدين ليس بالمظهر، بل بنيّة القلب وخشوعه.
عندما أراد الله أن يضع ميزانًا جامعًا، قال: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: 62)، فهل نضيق بعد ذلك ما وسّعه الله؟ وهل نوزّع الجنة والنار على الناس بأسمائهم وانتماءاتهم؟
إن قوله تعالى: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” (آل عمران: 19) لا يعني احتكار الحق، بل يحدد طبيعة الدين المقبول: التسليم لله، والتجرد من الأهواء، والعمل الصالح. ومن يبتغ غير هذا النهج – أيًا كان اسمه – فلن يُقبل منه: “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ” (آل عمران: 85)
السؤال هنا: هل الإسلام الذي يُقبل عند الله هو إسلام الشعارات والانتماء الشكلي؟ أم إسلام القلوب الخاشعة والعقول المنفتحة؟
واقعنا اليوم ملتبس، مليء بالطقوس والمظاهر، لكنه كثيرًا ما يفتقد جوهر الرحمة والعدل والنور الذي جاء به الوحي. فهل ما نعيشه اليوم من صراعات ومذاهب يعكس فعلاً كلام الله ؟ أم أنه تراكم تاريخي صنعته السياسة والتعصب؟ هل نحن ورثة الدين كما أراده الله؟ أم أسرى تصورات ضيقة لا تمثله؟
حين يُقدَّم الإسلام للشباب على هيئة عداء وتكفير وشكوك، لا على هيئة نور ورحمة وبشرى، فهذا دليل أننا لم نحسن حمل الرسالة. فهل آن الأوان لنسأل أنفسنا بصدق: هل أنا مسلم كما أراد الله؟ أم كما ورثتُ من محيطي ومذهبي؟
إن الإسلام في جوهره ليس طقسًا ولا زيًّا، بل دعوة لكل قلبٍ موحّد صادق.
لنحرر هذا الدين العظيم من القوالب الضيقة، ولنعد به إلى نوره الأول، حيث يكون المسلم هو من أسلم وجهه لله وأحسن عمله، فالمقياس عند الله هو الصدق والتقوى، لا الشكل والإنتماء. ربما كانت هذه العودة إلى المعنى، هي بداية الطريق!