محمد الغيث ماء العينين
لم يعد السؤال اليوم هو: من يؤيد الحكم الذاتي المغربي؟ بل أصبح: من تبقّى خارج هذا التوجه، ولماذا؟
لقد تغيّرت قواعد الاشتباك السياسي والدبلوماسي في ملف الصحراء، وتبدلت موازين التقدير في المحافل الأممية. فما كان قبل سنواتٍ مبادرة مغربية جريئة، بات اليوم يُتداول في كواليس مجلس الأمن بوصفه المرجعية الوحيدة الواقعية والممكنة. وما كانت الجزائر تستهين به ذات يوم، بات يربك حساباتها، ويُحاصرها في دائرة التناقض والتراجع.
ثلاث دول دائمة العضوية… وواقع لم يعد قابلًا للإنكار
الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا. ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن تدعم، كلٌّ بطريقتها، مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007.
ولئن كان الدعم الأميركي واضحًا منذ اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، فإنّ فرنسا قد لحقت به رسميًا، وعبّرت عن ذلك بصيغة غير مسبوقة، ثم تلتها مؤخرًا بريطانيا بموقف داعم لا لبس فيه للحكم الذاتي، وهو دعم لا يمكن فصله عن السيادة، مهما حاول البعض تغليف اللغة الدبلوماسية بالتباسات لفظية.
في المقابل، لا تعارض الصين وروسيا المقترح المغربي، بل تتعاملان معه براغماتيًا، من خلال شراكات اقتصادية واستثمارية تشمل الأقاليم الجنوبية، في رسالة أوضح من أي بيان: هذه أرض مغربية.
الجزائر… بين التعنت الظاهر والإقرار الضمني بالفشل
بيان الخارجية الجزائرية عقب إعلان الموقف البريطاني الأخير يكشف أكثر مما يخفي. تأسّف لدعم لندن، ثم تُسارع إلى تبرير ذاتها بالقول إنّ بريطانيا لم تذكر لفظ “السيادة”. وكأنّ دعم مضمون الحكم الذاتي – الذي يقوم جوهريًا على السيادة – أمر يمكن عزله عن أصله.
الجزائر، التي تظهر تعنتًا في الخطاب، لا تخفي في العمق إقرارًا ضمنيًا بالفشل. فبعد أن جرّبت رفع السقف في وجه إسبانيا وفرنسا، وجدت نفسها مضطرة إلى التراجع دون أن تنتزع تنازلًا واحدًا منهما. واليوم، لم تعد تملك هامش المناورة، ولا خطاب “الحياد المبدئي”، بعدما تكرست وظيفتها الدولية كطرف مباشر، لا كداعم.
البوليساريو تحت مجهر الإرهاب: الخطر القادم من الغرب
التحول في النظرة إلى جبهة البوليساريو لا يقتصر على مسألة الانفصال، بل تعداه إلى زاوية أمنية أشد خطورة. فالجبهة، التي لطالما سعت إلى تقديم نفسها كحركة تحرير، أضحت في نظر تقارير دولية رصينة شبكة مسلّحة هجينة، تتلقى دعماً مباشراً من إيران وحزب الله، وتُوظّف الأراضي الجزائرية منصةً للتدريب والتسليح والتحريض.
المرجع في ذلك لا يتوقف عند سلوك الجبهة، بل يتعدّاه إلى عمق تركيبتها الخطرة، التي لا تُخفي طابعها الميليشيوي رغم محاولات تغليفه بغلاف سياسي.
قصف مدنيين بصواريخ الكاتيوشا في السمارة، تهديد علني للشركات الأجنبية والقنصليات، رسائل عسكرية تطال عمق التراب المغربي… كلّها مؤشرات على سلوك لا يختلف في طبيعته عن سلوك التنظيمات المصنفة إرهابية، وعلى رأسها الحوثيون.
مؤسسة التراث الأميركية تدقّ ناقوس الخطر
تقرير مشترك صدر حديثًا عن مركز أليسون ومعهد ديفيس التابعين لمؤسسة Heritage Foundation، أحد أهم مراكز التفكير في واشنطن، دعا بصريح العبارة إلى تصنيف البوليساريو ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، تطبيقًا للأمر التنفيذي الأميركي رقم 13224.
وهذا لا يعني فقط تجميد الأصول وحظر التعاملات البنكية مع الجبهة، بل يمتد إلى احتمال تصنيف الجزائر نفسها كدولة راعية للإرهاب، بما يستتبع ذلك من عقوبات اقتصادية، وحظر سفر، وتجميد أصول مسؤولين عسكريين واستخباراتيين.
هل يكون أكتوبر موعد الحسم؟
إذا كان من منطق يُحتكم إليه في العمل الأممي، فإنّ القرار المرتقب في أكتوبر يجب أن يكون نقطة تحول.
فمجلس الأمن، الذي انتقل خلال 17 سنة من الإشادة بالمبادرة المغربية إلى التعامل معها كخيار وحيد ممكن، لم يعد أمامه سوى أن يُترجم هذا التراكم إلى موقف صريح: تبنّي الحكم الذاتي كأساس لحل النزاع، مع تحميل الجزائر مسؤوليتها كطرف مباشر.
وإذا ما ترافق هذا القرار مع تصعيد أمريكي في اتجاه تصنيف البوليساريو، فإنّ الجزائر ستكون أمام زاويتين لا ثالث لهما:
إما الإقرار بنهاية مشروعها في الصحراء، أو مواجهة تبعات قانونية وسياسية ثقيلة قد لا تملك معها خيارات المناورة.
المغرب… من خطاب الدفاع إلى منطق المبادرة
في خضم كل هذا، لم يكتفِ المغرب بحصد الاعترافات، بل واصل تثبيت دعائم سيادته في الميدان:
مشاريع تنموية كبرى، استثمارات دولية، موانئ استراتيجية، تحضيرات مكثفة لكأس العالم 2030… كلّها مؤشرات على أن الحكم الذاتي لم يعد فقط مقترحًا، بل واقعًا عمليًا يجري تنزيله على الأرض.
وكما قال جلالة الملك محمد السادس، فإنّ المغرب لا يفاوض على سيادته، بل يفتح يده لكل من يريد أن يتقدم نحو المستقبل بمنطق الشراكة لا الابتزاز.
خاتمة: لحظة الاختيار
نحن أمام لحظة دقيقة، لا تحتمل المواربة ولا التردد.
العالم بدأ يحسم موقفه، والمنطقة تتشكل من جديد، ومجلس الأمن يقف على عتبة قرار سيحدّد مستقبل الصراع.
إما أن ينتصر المنطق، ويتحول الحكم الذاتي إلى قرار أممي،
وإما أن تستمر المنطقة في تحمل كلفة تأجيل الحقيقة.
لكن مهما تأخّر الاعتراف الرسمي، فإنّ الواقع قرّر:
الحكم الذاتي هو الحل، والباقي تفاصيل.