9 أغسطس 2025 / 13:48

من سرق الوازع؟ حين صار القماش دينا والعرف إيمانا

كريمة العزيز
من قال إن الإيمان يُقاس بطول القماش؟ ومن أوهمنا أن الشرف حكر على جسد المرأة دون عقل الرجل؟ كيف تحوّل الوازع الديني من نور داخلي يهدي السلوك إلى شرطي خارجي يفتّش في الجيوب والصدور؟

في زمن لم يبتعد كثيرًا، كانت نساء منطقتنا يرتدن البحر بلباس السباحة، كما يفعل الرجال، دون أن يُرمى عليهن حجر العار أو يُشكك في تقواهن، لأن العرف كان أكثر انفتاحًا، أكثر توازنًا، والأهم أنه كان أقل خوفًا. أما اليوم، في مشهد مشوَّه يعكس أزمة فهم لا أزمة دين، ترى رجلاً بنصف جسدٍ عارٍ يسرح ببصره حيث شاء، وإلى جانبه زوجة أو ابنة مغطاة من الرأس إلى القدم، وكأن العفة عبء يُلقى حصريًا على المرأة، وكأن الرجل لا يُحاسَب إلا على عدد كلماته في النقاشات الدينية.

ما حدث لا يمكن فهمه كتطور اجتماعي بريء، بل كتغيّر مُمنهج صاغته تيارات أيديولوجية وظّفت الدين لتكريس سطوتها على الجسد، والمرأة، والضمير الجمعي. باسم الدين، زُرع الخوف، واستُبدل التفكر في جوهر العقيدة بمراقبة القشور.

هل كان هدفهم الإيمان أم السيطرة؟ كيف أصبح الوازع الديني مرآة لعرف مشحون بالخوف من الآخر، لا شعورًا داخليًا نابعًا من صدق النية؟ ومتى رضينا بأن يصبح العرف صوت الله، بينما هو في جوهره نتاج زمن وثقافة ومصالح؟

إن اللباس، مهما كان شكله، لا يعكس درجة الإيمان، تمامًا كما أن الجهل لا يصبح علمًا لمجرد أنه يقتبس آية. اللباس سياق اجتماعي، يتغيّر بتغير المكان والزمان، أما الدين فجوهره باقٍ، لا يُختزل في غطاء رأس ولا يُلغى بتعرية ساق. وقد قال ربي في سورة النور، في وصف سياق اجتماعي مخصوص يستدعي اللباس كوسيلة حماية من أذى المجتمع لا كمعيار للتقوى: “ذلك أدنى أن يعرفن فلا يُؤذين”.

لم تكن الآية إعلانًا عن زيّ أبدي، بل إشعارًا بخصوصية الظرف وأهمية الوعي لا التشدد. ولكن حين يُختطف النص من روحه، ويُساق العرف كقانون إلهي، تتحول المرأة إلى ميدان معركة، ويتحول الدين إلى قناع سياسي.

متى نعيد السؤال ؟ متى نؤمن لأننا نختار، لا لأننا نخاف؟ وهل ما نلبسه حقًا يعكس ما نؤمن به، أم فقط ما نُجبر على إظهاره؟

آن الأوان أن نكف عن قياس الإيمان بالملبس، وأن نتوقف عن مطاردة المرأة باسم الفضيلة، وأن نستعيد حقنا في التساؤل قبل أن نُمنع من التفكير، لأن المجتمعات لا تنهض بمزيد من الحجاب أو التعري، بل بجرأة التفريق بين ما هو مقدس فعلاً، وما استُعمل لتقديس الخوف.