من تغذية الحركة الإسلامية إلى مواجهتها

منتصر حمادة
featuredآراء ومواقف
منتصر حمادة23 فبراير 2020آخر تحديث : الأحد 23 فبراير 2020 - 9:38 صباحًا
من تغذية الحركة الإسلامية إلى مواجهتها

منتصر حمادة
ما جرى خلال الآونة الأخيرة على هامش التفاعل مع المشروع الملكي القاضي بانخراط المؤسسات البنكية في مساعدة الشباب لفتح مشاريع استثمارية تعود عليهم بالنفع يُزكي ما أشرنا إليه في أكثر من مناسبة، أي تعرض مخيال المغاربة للأسلمة، سواء تعلق الأمر بمخيال العامة أو الخاصة.

بدأ الأمر مع رأي عابر للداعية أحمد الريسوني، تعاملت معه مجموعة من المنابر الإعلامية المحلية والأجنبية على أساس أنه فتوى، بينما الأمر خلاف ذلك، دون الحديث عن المنابر التي تدين بالولاء الإيديولوجي لمشاريع المشرق، ونذكر منها نموذجاً واحداً فقط من باب تنبيه المتتبعين إلى أن المسألة لا تحتمل الهزل، وتقتضي الكثير من التفاعل النظري والميداني مع معضلة الأسلمة هذه.

يتعلق الأمر بمادة إخبارية جاءت تحت عنوان: “سجالات في المغرب بعد فتوى الريسوني حول مشروعية قروض الشباب”، وصدرت في موقع “العربي الجديد” بتاريخ 17 فبراير 2020، نقرأ فيها ما يلي: “ثارت فتوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، التي اعتبرت القروض الموجهة لدعم الشباب بنسبة فائدة مخفضة قروضاً “حسنة”، جدلاً واسعاً في المغرب، وخصوصاً بين الإسلاميين، فيما بدا لافتاً صمت مؤسسة الإفتاء الرسمية”.
واضح أن مرجعية الموقع الذي يندرج ضمن شبكة يقودها الباحث الفلسطيني/ الإسرائيلي عزمي بشارة، (عضو سابق في الكنيست الإسرائيلي)، والمتحالف بدوره مع مشروع “التنظيم الدولي للإخوان”، تفسر الحديث عن “فتوى” الداعية الإخواني، لأن المغاربة، لا علاقة لهم أساساً بهذه المؤسسة الدينية، حتى لو كان إخوانياً مغربياً يقودها، لأنه مجرد موظف لديها.

كما أن للمغاربة، كما سلف الذكر في مقالة سابقة، لديهم مؤسسة تسهر على الإفتاء، ولا تنتظر هذه المؤسسة، أمثال هذا الداعية أو غيره حتى يعلمونا الدين.

مباشرة بعد هذا الجدل الإسلاموي الصرف، مع أتباع “دولة الخلافة” و”إمارة المرشد” وما جاور أدبيات “الحاكمية” و”الجاهلية”، نشر نجيب بوليف، الوزير السابق ــ والذي من المفترض أن يستحضر مقتضيات مقام الوزير، أي مقتضيات أن تكون رجل دولة ــ تدوينة وعظية حول الربا والقروض وما جاور ذلك النقاش الفقهي، ومن يقرأ التدوينة، لن يستوعب كيف أنها تعود لرجل كان إلى وقت قريب عضواً في حكومة دولة وطنية.

وحسناً فعل لحسن عبيابة وزير الثقافة والشباب، الناطق الرسمي بإسم الحكومة، خلال الندوة الصحفية التي أعقبت انعقاد المجلس الحكومي زوال أمس الخميس، عندما أكد في جواب على سؤال حول تدوينة الوزير الإسلامي الحركي، قائلاً: “لا نريد تشويشاً على هذا المشروع”، مضيفاً أن “المغرب يؤطره الدستور والقانون، وهناك مؤسسة دينية وحيدة، مخول لها بإصدار الفتوى، ولا نقبل أي فتوى من داخل أو خارج المغرب من غير المؤسسات الرسمية”، وهذه جزئية يجب أن يستوعبها جيداً المشروع الإسلامي الحركي في المغرب.

ما يهمنا هنا في هذا السياق، التوقف العابر عن دلالات التفاعل الرقمي مع هذه الآراء الدينية والتي لا تهم سوى أصحابها أولاً وأخيراً، وأغلبهم من أتباع المرجعية الإسلاموية، ولذلك، ليس صدفة أن أغلب الذين تفاعلوا معها، كانوا من أتباع هذه المرجعية، سواء كانت إخوانية أو سلفية وهابية، بما في ذلك الأتباع الذين يمارسون التقية.

ولكن، اتضح أن نسبة معينة من المتفاعلين، انخرطت في النقاش، دون أن تكون محسوبة أساساً على المرجعية الإسلاموية، ولا نتحدث عن النسبة التي تعارض هذه الإيديولوجيات، وإنما الذين انخرطوا في الأخذ والرد، بينما يُفيد الأمر، أن الآراء الدينية الإيديولوجية، لا تهم إلا أصحابها، اللهم إن كان الواجب يقتضي أن ننخرط جميعاً في مواجهة عقلية الوصاية التي تنهل منها جميع الحركات الإسلامية دون استثناء، ومردها هاجس “التأصيل الشرعي”، وهذه حكاية أخرى، نتمنى أن نتطرق إليها لاحقاً بحول الله.

الشاهد هنا، أن هذه القلاقل، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمشاريع الأسلمة التي أصابت شعوب المنطقة خلال العقود الأخيرة، ومعلوم أن هذه الشعوب، لم تكن تسمع أساساً عن “الأبناك الإسلامية” أو “الأبناك التشاركية”، إلى أن جاءت ظاهرة “الصحوة الإسلامية” أو “اليقظة الدينية”، من سلفية وهابية وإخوان وما إلى ذلك.

والنتيجة أننا نسمع منذ عقود عن “الأدب الإسلامي” [هناك مجلة مغربي تصدر من وجدة تحمل هذا الإسم] و”الفن الإسلامي” و”البنك الإسلامي” والفكر الإسلامي”… إلخ. (الفكر الإسلامي هنا إحالة على ما يسمى “أسلمة المعرفة”، ومن ذلك “أسلمة الحداثة” و”أسلمة الفلسفة”.. إلخ).

لقد تورطت العديد من حكومات المنطقة في تمويل ودعم وترويج المشاريع الإسلامية الحركية، وخاصة الحكومات المشرقية والخليجية، وها هي الحكومات ذاتها متورطة رغماً عنها في التصدي لبعض نتائج ورطة أمس، وفي مقدمتها الأسلمة التي تعرض لها مخيال شعوب المنطقة، لولا أن هذه العملية المضادة، التي تروم إصلاح ما يمكن إصلاحه، عملية شاقة ومكلفة، وتتطلب انخراط الجميع، وليس صمت نسبة كبيرة من النخب الفكرية والدينية والإعلامية وغيرها، وهذه معضلة نعاني منها بشكل صريح في الساحة المغربية، حيث إن التصدي النظري والعملي للمشروع الإسلامي الحركي، لا زال متواضعاً، ولا نتحدث هنا عن أدعياء الاختلاف في الرأي، لأن هذا الباب لا أفق له من منظور فلسفي، بما في ذلك من منظور “فلسفة الدين”، وإنما نتحدث عن تطبيقات وأهداف هذا المشروع الذي لا زال العديد من أتباعه يحملون بما يُسمى “دولة الخلافة” والاقتراب من مقام التمكين وما جاور تلك الأوهام التي تربوا عليها.

صيانة الدولة والدين في الشق الديني والثقافي، عملية مكلفة، وتتطلب الكثير من الشجاعة والجرأة، وليس الصمت واللامبالاة، ولا يليق بجيوش من الموظفين والمسؤولين في مؤسسات الدولة، التعليمية والدينية وغيرها، من الذين يتقاضون أجورهم الشهرية من الدولة الوطنية، تبني خيار الصمت، إلا إن كانوا من أتباع هذه الإيديولوجيات الدينية، فهؤلاء غير معنيين بالنصيحة، وإنما من أتباع “الدولة الوطنية”، وهم الأغلبية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.