18 أكتوبر 2025 / 08:04

من التدبير الروحي إلى الغطاء الإداري: دلالات تأسيس جمعية لتسيير شؤون الزاوية الوزانية

محمد التهامي القادري 

إنّ إقدام القائم بأعمال المشيخة لدى الزاوية الوزانية على تأسيس جمعية لتسيير شؤون الزاوية الوزانية يطرح جملة من الإشكالات التي تستدعي مدارسة دقيقة وتأملا عميقا في دلالاتها ورهاناتها. فمن جهة، يمكن أن يُقرأ هذا التوجه باعتباره حدثا مرحليا يعكس – بشكل غير مباشر – عجز المشيخة بصيغتها التقليدية الحالية عن القيام بوظائفها الطبيعية في التدبير والتنظيم، أو على الأقل شعورا ضمنيا بالحاجة إلى غطاء مؤسساتي يملأ فراغا هيكليا وعمليا ظل يتفاقم مع مرور الزمن. ومن جهة أخرى، قد تكون هذه المبادرة محاولة لإضفاء صبغة قانونية وحديثة على بعض الأنشطة، وفي مقدمتها الإشراف على موسم مولاي عبد الله الشريف، بما يحمله هذا الموسم من رمزية دينية وروحية واجتماعية.

لكن التساؤل المركزي الذي يطرحه العديد من الشرفاء أحفاد مولاي عبد الله الشريف يبقى قائما بإلحاح: هل موسم مولاي عبد الله الشريف غاية في ذاته أم مجرد وسيلة ضمن وسائل متعددة لإحياء رسالة الزاوية الكبرى في بناء الإنسان وتوجيه المجتمع؟، ثم هل هذا الموسم يمثل حقا كل الشرفاء الوزانيين في الداخل والخارج، أم أنه صار حكرا على القائم بأعمال المشيخة وأسرته وحاشيته، بما يفرغه من محتواه الجامع ويختزله في صورة ضيقة؟. وإلى جانب ذلك، يطفو على السطح سؤال آخر لا يقل خطورة: هل المقر الحالي للزاوية، الذي يُطلق عليه اسم الزاوية الوزانية، هو ملك خاص للقائم بأعمال المشيخة، أم أنه ملك رمزي وروحي جامع لكل الشرفاء دون استثناء؟…

إن إدماج هذه التساؤلات في النقاش لا يُعد إسهابا نظريا أو تأملا ثانويا أو مجرد جدل عابر، بل هو مدخل أساسي لفهم طبيعة ما يجري حول الزاوية وداخلها، إذ يكشف أن الأمر لا يتعلق بموسم أو جمعية فحسب، بل ببنية رمزية مهددة بفقدان معناها التاريخي والاجتماعي إذا لم يُعَد ضبط معاييرها وضمان شفافيتها. لذا أعود فأقول، إذا كان تأسيس الجمعية يقتصر على موسم مولاي عبد الله الشريف، فهو إذن إجراء ضيق الأفق لا يرقى إلى حجم التحديات ولا يستجيب لتطلعات الشرفاء. أما إذا كان مدخلا لمشاريع إصلاحية متكاملة، تهم التعليم الروحي، والتأطير التربوي، وإحياء صلة الرحم بين الفروع، وصيانة الأملاك الوقفية، وغير ذلك، فإنه قد يكون خطوة نحو استعادة جزء من الدور التاريخي للزاوية في إشعاعها الديني والاجتماعي والحضاري.

وهنا بالذات تتحدد قيمة هذه الخطوة، هل هي مجرد غطاء إداري لحدث موسمي، أم أنها وعي تاريخي بضرورة إعادة بناء مؤسسة الزاوية الوزانية الأم بوزان على أسس جديدة؟ والجواب، في نهاية المطاف، رهين بمدى انفتاح القائم بأعمال المشيخة لدى الزاوية الوزانية والطاقم المسير للجمعية على النقد البنّاء، وبقدرتهم على تحويل هذه التساؤلات المشروعة إلى ورش إصلاحي حقيقي يكرّس المشترك، ويعيد للزاوية اعتبارها، ويجعلها ملكا لكل الشرفاء، لا حكرا على أحد.