22 أغسطس 2025 / 13:21

من الأسرة إلى المجتمع: فاتورة الاختلاف التي لا ترحم

كريمة العزيز

هل تساءلنا يوماً لماذا يولد كل طفل وفي قلبه نغمة خاصة لا تشبه نغمة إخوته؟ وكيف تتحول هذه النغمة أحياناً إلى نشاز في البيت إذا لم تُقابل بأذن تتذوق التنوع؟ ولماذا نجد في كثير من البيوت ميلاً خفياً، وربما غير واعٍ، نحو الأبناء الذين يعكسون طباع الوالدين واهتماماتهم، وكأن القرب مرهون بالتشابه؟

لكن، ماذا عن أولئك الذين جاؤوا بألوان مختلفة، بميول لا تشبهنا، وأحلام لا نعرف رسمها؟ أليس من حقهم أن يجدوا في بيتهم أول وطن يحتضن اختلافهم بدل أن يحاكمه؟

الاختلاف، أياً كان شكله، سواء في الميول أو الاهتمامات أو طريقة التفكير، يحمل ضريبة يدفعها صاحبه. قد لا تكون هذه الضريبة مالاً، بل نظرات استهجان، أو تعليقات تهكمية، أو استفزاز متكرر، أو شعور دائم بأنه خاطئ لأنه لا يسير مع القطيع.

وكما يدفع أصحاب المعتقدات أو الأساليب الحياتية المختلفة ضريبة في مجتمعاتهم، يدفعها أيضاً المختلف في بيته، حين يُعامل وكأنه عبء أو استثناء يجب تقويمه. إن قصة يوسف عليه السلام تذكرنا أن الحسد بين الإخوة لا يولد فجأة، بل ينمو حين تغيب المساواة أو يضعف الوعي بخطورة التفرقة، وأن التحيز، حتى لو كان بحسن نية، قادر على ترك ندوب لا يمحوها العمر. وكم من والد أو والدة جلس قبل الإنجاب ليتعلم فن احتواء الفروقات؟ وكم منهم أدرك أن الأبناء ليسوا مشاريع نسخ متطابقة، بل عوالم مستقلة تحتاج إلى فهم وصبر واحتضان؟

التربية ليست طعاماً على المائدة وسقفاً فوق الرأس فقط، بل هي أيضاً عدالة في توزيع الحب، وإصغاء حقيقي لنبضات القلوب المختلفة، وإيمان بأن حرية الاختلاف ليست تهديداً بل إثراء. أما الأبناء، فكم منهم يخشون أن يضعوا حدوداً تحفظ كرامتهم خوفاً من أن يُفسر ذلك على أنه عقوق؟ وهل رضا الوالدين يعني أن نكسر أرواحنا ونخفي جراحنا خلف ابتسامات صامتة؟

بر الوالدين لا يُقاس بإلغاء الذات، بل بالحب الممزوج بالوعي، وبالاحترام الذي يحمي الجميع من الأذى. فالحب بلا وعي قد يجرح، والوعي بلا حب قد يبعد.

وإن لم نحمِ المختلف من ضرائب التهكم والضغط النفسي، فإن هذه الضرائب قد تتحول إلى أضرار وخيمة في صحته النفسية، وربما تمتد إلى حياته كلها. وليس البيت وحده من يفرض هذه الضرائب، فالتاريخ مليء بمفكرين وفلاسفة دفعوا حياتهم ثمناً لاختلاف أفكارهم، فمنهم من نُفي، ومنهم من سُجن، ومنهم من أُعدم أو أحرقت كتبه، فقط لأنه لم يُفكّر كما يُفكّر الجميع. فهل يمكن أن نكسر هذه السلسلة القاسية، ونجعل من بيوتنا ومجتمعاتنا ساحات رحبة تتسع للاختلاف، بدلاً من أن تبقى محاكم تدين كل من خرج عن الصف؟