الدكتور محمد وراضي
حكومة عبد الإله بنكيران، وحكومة سعد الدين العثماني، كيف تم استبدال الأولى بالثانية؟ وكيف تم حدوث انهيار هذه الثانية؟ وكيف حصل الاستهزاء بكون الإسلاميين تعرضوا لأبشع هزيمة؟
بصيغة هذه التساؤلات، نقرر الابتعاد عن الأهواء أو عن الذاتيات. هذه التي ينخرط في الإمساك بها عشرات الصحفيين القدامى منهم والمحدثون؟ بحيث إن جل تساؤلاتهم تصاغ بالأداة الاستفهامية: لماذا؟ بينما صيغ الاستفهام العلمي لا تتخطى “كيف”، إلى صيغ أخرى غيرها. ف”لماذا”؟ مرتبطة بالفكر الميتافيزيقي لعدة قرون. في حين أن “كيف”؟ توحي بأن المستفهمين بها ، يحترمون منهج التجريب، وفي الوقت ذاته يراعون الفرضيات. وهذه تستدعي الملاحظات الموضوعية. ومن لم يعتمد هذا الثلاثي في أبحاثه المعاصرة، ليس له أن يتحدث عن سقوط حكومات، وصعود غيرها في دول العالم عامة، وفي دولنا العربية والإسلامية خاصة؟
وتحديد حكومات بعينها، ليس شأنا سياسيا منفصلا عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، والأخلاقية، والدينية. وإلا ما كان هناك انسجام ولا توافق، ولا تكامل، ولا نجاح بأي وجه كان.
ونسجل هنا كيف أن الحديث عن الحكومات في دول العالم الثالث، وحتى في بعض الدول النامية، ليس هو الحديث عن النهج العلماني في إقامتها، فلا الدين بمفهومه الصحيح تعتمده حكومة بلد، حكامها يدعون أنهم من رعاة الدين، ولا العلمانية بمفهومها الصحيح تعتمد في سياساتها المفتقرة واقعا إلى نظام محدد؟
فعندنا بالمغرب يجري الحديث عن العلمانيين، وعن الإسلاميين في آن واحد؟ وعندي أنه لا وجود لعلمانيين أقحاح وأحرار، ولا وجود لإسلاميين أقحاح وأحرار؟ وإلا فأية مقارنة يجري عقدها بين علمانية الغربيين الأوربيين، وبين علمانية عرفتها وادعتها دول الشمال الإفريقي؟
فمدلول علمانية شمال إفريقيا، زيفها المصريون بالخطوات الاشتراكية التي حرمت المواطنين من الحريات، وكبلتهم ببديل يشغلهم عن أية حلول إسلامية مقترحة! فادعى بعضهم أن الاشتراكية “تعني حرية الفرد واحترامه”، وقال آخرون: “بل هي تمليك وسائل الإنتاج للشعب! والسعي لتثبيت دكتاتورية الطبقة العاملة”!
ويخبرنا جمال عبد الناصر بما عليه المصريون وهم يخرجون من بطانة النظام الملكي الرأسمالي المستغل، فيقول: “لقد مهدنا طريقة الديمقراطية السليمة، من أجل أن تكون الحرية للشعب، كل الشعب، ولا حرية لأعداء الشعب، من أجل أن تكون الحرية الديمقراطية للشعب كله، لا للطبقة الرأسمالية، ولا للطبقة الإقطاعية، ولا للرجعية”! وهذا الشعار “لا حرية لأعداء الشعب”، هو أول معول لهدم الحرية. إن كل من يعارض الحكام الثوريين ينعم عليه بلقب “عدو الشعب” دون تردد. وكل جماعة تقول للثوريين: لا، أو حتى لم؟ تجرد من الوطنية والتقدمية ويخلع عليها خلعة “الرجعية”؟
وعبد الناصر في واقعه السياسي تلميذ لكل من لينين وستالين. يقول لينين 1920م: “نحن لا نستطيع أن نأخذ بآراء المخبولين والأغبياء الذين يطالبون بالحرية! فنحن في ظل دكتاتورية البروليتاريا، لا نستطيع أن نمنح المواطنين حريتهم السياسية، خشية أن يستخدم أعداء الشيوعية هذه الحرية في القضاء علينا”!! والمعروفون بالإسلاميين في مقدمة المطالبين بها؟؟؟
ويقول خليفته “ستالين” 1938م: “إن منح البورجوازيين (الطبقة الوسطى في المجتمع) الحريات العامة، لا يعدو أن يكون سماحا لهؤلاء البورجوازيين بالكيد لنا، والتآمر علينا، وتقويض نظامنا، ولهذا فإننا لا نمنح الحرية إلا للطبقة التي نحكم باسمها؟ لكن الطبقة التي يحكمون باسمها خاضعة للحزب بزعامة رئيس الدولة. فلا حرية لها ولا اختيار. إنها ملزمة بالطاعة العمياء؟ بالقرارات التي تصدر عن قيادة الحزب، وهي نفس الصورة التي عرفتها كافة الدول الاشتراكية عبر العالم العربي: مصر، الجزائر، ليبيا، سوريا، العراق، والنتيجة الحتمية كانت هي قيام ما عرف ب”الربيع العربي”! هذا الذي سوف يتكرر في السنوات المقبلة بدون ما ريب؟؟ إنما أين الإسلاميون مما يتجاهلونه؟ خاصة إن دفعت بهم الطموحات إلى احتلال الكراسي المتقدمة في سياسة بلد مثل بلدنا؟؟؟
Source : https://dinpresse.net/?p=18308