صدر عن الكاتب والصحفي الأميركي من أصل مصري أيمن إسماعيل عملٌ سردي جديد بعنوان “Becoming Baba: Fatherhood, Faith, and Finding Meaning in America” (أن تصبح أبا: الأبوة والإيمان والبحث عن المعنى في أمريكا)، يبحر فيه المؤلف في عوالم الأبوة، والانتماء، والهوية الدينية والثقافية ضمن سياق أميركي معقد، راصدا في صفحات شخصية صادقة ومتوترة ملامح التحول الذي عاشه عند انتقاله من دور الابن إلى دور الأب.
ويقدم إسماعيل تجربته كمسلم نشأ في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، محاطا بالمخاوف الأسرية من تداعيات التمييز والوصم، في منزل اختار الانغلاق على المعتقدات والاحتراز من كل ما قد تتيحه الثقافة الأميركية من اختراقات سلوكية أو فكرية.
وينطلق إسماعيل في روايته الذاتية من لحظة إدراكه الأولى بأنه أصبح أبا عام 2021، إذ اجتاحه شعور بعدم الجاهزية، وتملّكه القلق من أن يكون الحلقة الأضعف في سلسلة الأجيال المسلمة التي سبقته، يدفعه هذا القلق للتفكير في سؤال جوهري: كيف يكون الأب مسلما في زمن يتآكل فيه الإيمان داخل الأسرة المهاجرة؟ وما معنى أن تربي أبناءك في بيئة ترى الدين عبئا؟ لا يقدم إسماعيل أجوبة جاهزة، بل ينفتح على التساؤل كمنهج، محاولا مرافقة هذه الحيرة بجسارة.
ويتتبع الكتاب، الذي سيصدر عن دار نشر أميركية كبرى في يوليوز المقبل، التحولات التي مرّ بها المؤلف، من دراسته في المدارس الإسلامية، إلى فترة مراهقته التي تميزت برفض الدين، قبل أن تستعيد علاقته بالإسلام تماسها من خلال نضجه العاطفي، وتجربته مع الحب والزواج.
ويجد إسماعيل في زوجته “ميرا”، وهي أميركية من أصل مصري أيضا، نموذجا لإنسان مؤمن وغير متزمت، يستطيع الجمع بين التقوى والمرونة، ومعها أعاد التفكير في الدين، لا بوصفه سلسلة من الأوامر والنواهي، بل كمرآة لعلاقته الشخصية بالله، وكهوية يمكن إعادة كتابتها بحرية ومسؤولية.
يلقي الكتاب الضوء أيضا على أثر النساء في تشكيل وعي الكاتب بالرجولة، ويخصص فصولا للحوارات التي خاضها مع والدته وشقيقته وزميلاته، مؤكدا أن هذه الحوارات ساعدته على بناء صورة متكاملة عن معنى أن يكون المرء رجلا، شريكا، وأبا، لا يتخفى خلف القوة بل يحتضن الضعف أيضا.
ولأن السياق الأميركي لا يرحم المسلم، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، يتوقف إسماعيل طويلا أمام التحديات التي واجهها في الجامعات ووسائل الإعلام، والوصم الذي لاحقه كمجرد مسلم، قبل أن يصبح أبا، غير أن الأبوة – كما يروي – منحته فرصة لفهم قرارات والديه، بل وفتح أمامه بابا لفهم أعمق لجوهر الإيمان الذي حملاه إليه.
ويكتشف أن الخوف الذي شعر به هو ذاته الذي حمله والداه، وأن القلق على تربية جيل مسلم في الغرب ليس قلقه وحده.
في إحدى لحظات الكتاب المفصلية، يستعيد إسماعيل مشهد حضوره صلاة الجمعة مع والده وطفله، ويصفه بلحظة تتويج للجهد الطويل في التوفيق بين الإيمان والهوية والأبوة، هذه اللحظة لا تنهي الأسئلة، لكنها تفتح أفقا جديدا للتصالح مع الذات.
يبدو “Becoming Baba” عبارة عن مذكرات تأمل في معاني الرجولة، والهوية، والدين في أميركا ما بعد 11 سبتمبر، وهو كذلك شهادة على جيل من المسلمين الأميركيين الذين لم يورثهم آباؤهم الخوف فقط، بل منحهم أيضا أدوات الاستمرار والبناء والمصالحة.