منهجية حقوق الإنسان في إدارة السجون

ذ محمد جناي
تقارير
ذ محمد جناي27 أبريل 2021آخر تحديث : الثلاثاء 27 أبريل 2021 - 9:58 صباحًا
منهجية حقوق الإنسان في إدارة السجون

ذ. محمد جناي
إن حرية الشخص من أثمن الحقوق لدى جميع البشر ، وفي بعض الظروف ، يمكن أن تقرر السلطات القضائية أنه من الضروري سلب بعض الأشخاص من ذلك الحق لفترة من الزمن نتيجة للأفعال التي حكم عليهم من أجلها أو التي اتهموا بها، وعند حدوث ذلك تقوم السلطات القضائية بتسليم الأشخاص المعنيين بالأمر إلى إدارة السجون ، فيطلق عليهم مسمى السجناء، ويكمن جوهر عملية السجن في سلب الحرية ، وتصبح مهمة سلطات السجون هي ضمان أن يتم ذلك بشكل لا يكون مقيدا أكثر مما هو عليه بالضرورة ، ولا تكمن وظيفة سلطات السجون في فرض قيود إضافية على من هم في عهدتها.

يجب أن يكون تسيير السجون ضمن إطار أخلاقي عام ، ودو سياق أخلاقي قوي ، يمكن أن تصبح الوضعية التي تعطى فيها سلطة كبيرة لمجموعة من الأشخاص على مجموعة أخرى بسهولة ، استغلالا للنفوذ، والسياق الأخلاقي ليس فقط مسألة سلوك فردي لأحد العاملين مع السجناء، بل يجب أن يكون الإحساس بالأساس الأخلاقي لعملية السجن راسخا في العملية التسييرية من الأعلى إلى الأسفل، ويمكن أن يؤدي التشديد من طرف سلطات السجن على القيام بالعمليات الصحيحة ، والإصرار على الوصول للفعالية التشغيلية ، والضغط لتلبية الأهداف الإدارية ، دون اعتبار مسبق للمتطلبات الأخلاقية ، إلى قدر كبير من اللاإنسانية.

في المجتمعات الديموقراطية ، يدعم القانون ويحمي القيم الأساسية للمجتمع ، وأهمها حماية كرامة البشر مهما كانت وضعيتهم الشخصية أو الاجتماعية ، وتكمن إحدى أعظم الاختبارات التي يتعرض لها هذا الاحترام للبشر في طريقة معاملة مجتمع ما لمن خرق القانون أو من اتهموا بخرق قانون العقوبات ، وبين نيلسون مانديلا وهو سجين سابق ورئيس سابق لجنوب إفريقيا هذا المبدأ الخاص باحترام كل البشر مهما كان الخطأ الذي ارتكبوه عندما قال :” يقال أنه ما من أحد يستطيع أن يعرف أمة ما بحق إلا بعد دخوله لسجونها ، ولاينبغي الحكم على أمة ما من طريقة معاملتها لأنبل مواطنيها ، بل من معاملتها لأدناهم منزلة”.

إن العمل في السجون يعتبر من ضرب الخدمة العمومية ، ويجب أن تكون سلطات السجن مسؤولة أمام هيئة تشريعية منتخبة ، ويتوجب إعلام عامة الشعب بشكل منتظم بوضعية السجون وما تطمح إليه ، وعندما يفكر الناس في السجون عادة مايفكرون في مظهرها الحسي : جدران ، وسياج، ومبنى موصد بأبواب مغلقة، ونوافذ حديدية ، والحقيقة هي أن أهم مظهر في السجن هو البعد الإنساني ، بما أن السجون تعنى أساسا بالأشخاص ، وأهم مجموعتين في أي سجن هما مجموعتي السجناء والعاملون القائمين عليهم ، وبالتالي يكمن الأساس في الإدارة الجيدة للسجن في طبيعة العلاقة بينهما.

ومن الأمور الأساسية في هذا الصدد أن يتم اختيار العاملين بعناية ، وتدريبهم بشكل مناسب ، والإشراف عليهم ودعمهم، فالعمل في السجون يتطلب الكثير ، فهو يتطلب العمل مع رجال ونساء سلبت منهم حريتهم وقد يعاني الكثير منهم من اضطرابات عقلية والإدمان ، وتنقصهم المهارات الاجتماعية والتعليمية ،ويأتون من مجموعات مهمشة في المجتمع، وقد يشكل بعضهم تهديدا على عامة من يعيش في السجن ، وسيحاول البعض الآخر جاهدا الفرار، فلا أحد منهم يرغب في أن يكون في السجن ، وكل واحد منهم هو شخص منفرد بذاته.

بعد إتمام استقطاب واختيار العاملين بالشكل السليم يصبح من المطلوب العمل على تدريبهم بالشكل المناسب ، حيث أن معظم الموظفين الجدد لا يمتلكون إلا خبرة أو معرفة قليلة أو منعدمة فيما يتعلق بعالم السجون ، ويعتبر من أولى المتطلبات تعزيز السياق الأخلاقي للكيفية التي يجب أن تدار بها السجون لديهم جميعا ، ويجب أن تصل الرسالة بوضوح والتي مفادها أن كل المهارات الفنية التي سيتم تعليمها لاحقا ترتكز على أساس الإيمان بكرامة وإنسانية كل من هم مرتبطين بالسجون ،ويجب أن يتلقى العاملين التعليم على المهارات الضرورية للتعامل مع البشر الآخرين ،بمن فيهم أولئك البشر صعبي المراس وغرباء الأطوار للغاية .

يجب ألا ينسى العاملون بالسجون أبدا أن السجناء هم بشر، وعليهم أن يقاوموا باستمرار الرغبة في اعتبار السجين مجرد رقم عوض اعتباره شخصا آدميا، كما لا يحق لموظفي السجون تسليط عقوبات إضافية على السجناء بمعاملتهم كأقل شأنا من البشر ، فالمحكمة أو الهيئة القضائية التي عالجت قضيتهم قد قررت سلبهم حريتهم ولم تجبرهم على التخلي عن إنسانيتهم.

لا تترك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أي فضاء للشك أو عدم اليقين حول التعذيب وسوء المعاملة ، فهي تبين بوضوح أنه ليست ثمة أية ظروف يمكن أن تبرر التعذيب أو سوء المعاملة أو العقوبات القاسية أو الاإنسانية أو المهينة ، ويعرف التعذيب كونه أي تصرف يسلط من خلاله ألم أو معاناة كبيرة سواء كانت جسدية أو عقلية عمدا على شخص ما باستثناء الألم أو المعاناة المترتب عن الاعتقال أو الحبس.

ثمة بعض المتطلبات المادية الأساسية التي على الدولة تلبيتها للإمتثال لواجباتها المتعلقة باحترام الكرامة البشرية للسجين وأداء واجب رعايته، وتشمل هذه الواجبات توفير ظروف إقامة ونظافة أساسية ، ولباس وسرير والطعام والشراب والحق في الفسحة للنزلاء، ويجب أن يكون معلوما أنه عندما ترسل السلطات القضائية أحدهم إلى السجن ، فإن المعايير الدولية واضحة بشأن العقاب المسلط على الشخص يكون فقط سلب حريته ليس إلا، ويجب ألا يتضمن عملية السجن مخاطر المعاملة السيئة سواء الجسدية أو النفسية من طرف الموظفين أو من قبل سجناء آخرين، ويجب ألا تشمل مخاطر التعرض لمرض عضال أو الموت بسبب الظروف المادية أو نقص الرعاية الملائمة ، وينبغي ألا يخضع السجناء لظروف عيش غير إنسانية ومهينة بتاتا.

تحدد المواثيق الدولية الغاية من الاحتجاز كونه حماية للمجتمع من الجريمة ، ليس فقط بانتشال المجرمين من المجتمع ، بل محاولة ضمان إعادة تأهيلهم قدر الإمكان، ولهذه الغاية ، على إدارات السجون التوصل إلى تحقيق توازن ملائم بين الوضع الأمني والبرامج التي توضع لتمكين السجناء من إعادة الاندماج الاجتماعي، ومن الممكن التوصل إلى هذا التوازن إذا ما وجدت مجموعة واضحة من الإجراءات التي تحدد المستوى الملائم للأمن في السجون وللسجناء الأفراد.

إن المواثيق الدولية واضحة في طلبها بوجوب إخضاع كافة السجون وأماكن الاحتجاز إلى نظام تفتيش مستقل عن السلطة المسؤولة عن إدارة تلك السجون، كما أنها تمنح السجناء الحق بالوصول الكامل والسري للمفتشين ، رهنا للاعتبارات الأمنية الشرعية،وأكثر التدابير استقلالية هو عندما يعينون من قبل البرلمان ويرفعون تقاريرهم له.

لايكفي أن تعامل سلطات السجون السجناء يإنسانية واحترام إنما عليها أيضا أن تمنح للسجناء المحتجزين تحت رعايتها فرصا للتغيير والتطور، ويتطلب هذا الأمر مهارة فائقة والتزاما من قبل موظفي السجن، حيث أن معظم السجون مليئة بأشخاص مهمشين من المجتمع ، جزء منهم شديد الفقر وينتمي إلى عائلات مفككة ونسبة عالية منهم قد تعاني البطالة ولديها مستوى تربوي متدن، قد يكون جزء منهم قد عاش في الشوارع ولا ينتمي إلى أية طبقة اجتماعية، لذا لا يمكن بسهولة تغيير نمط حياة أشخاص كهؤلاء وتحفيزهم على التطور.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.