منطق التسامح بالمغرب من زاوية انتربولوجية وسوسيولوجية

دينبريس
2021-06-11T12:36:15+01:00
آراء ومواقف
دينبريس11 يونيو 2021آخر تحديث : الجمعة 11 يونيو 2021 - 12:36 مساءً
منطق التسامح بالمغرب من زاوية انتربولوجية وسوسيولوجية

نبيل بلعطار ـ دكتور في علم الاجتماع تخصص سوسولوجيا الدين والسياسة
يؤكد التسامح الديني على قضية التعايش بين الأديان، وخصوصا عن طريق حرية ممارسة الشعائر الدينية والتخلي عن التعصب الديني والتميز العنصري حيث انه لا شك فيه أننا نعيش في العالم أصبح يقال عنه أنه قرية متواصلة، ولنا فيه منذ القديم شركاء حضاريون، فنحن أيضا نعمل على أن نؤسس معهم ثقافة ومنطق التسامح انطلاقا مما نعيشه في ديننا، آخذين بعين الاعتبار آداب الحوار وعدم التعصب للأفكار الشخصية الأحادية والخلافات الإيديولوجية السياسية والدنية والتي ينتج عنها ظواهر وسلوكيات غير أخلاقية وهدامة للتعامل الإنساني.

وتعود قيم التسامح إلى فجر الحضارة الإنسانية منذ القدم وقد واكبت الحضارة المعاصرة سواء في الفلسفات القديمة أو تعاليم الديانات السماوية والوضعية، ويكتسي التسامح أهمية قصوى حيث يعد أرضية خصبة للمساهمة في بناء المجتمع والسهر على تقويم قواعده فالتعددية وتكريس حرية المعتقد وقبول الاختلاف في الرأي والفكر واحترام سيادة القانون، مما يساهم في إبراز دور التسامح في بناء مجتمع مدني ديموقراطي تعددي، فالخطاب السياسي الرسمي يحرص على تقديم الإسلام المعتدل والمنفتح والمتسامح، فالمغرب ظل على امتداد العصور، بفضل تمسكه بالإسلام الوسطي المعتدل والذي بني على فضيلة التسامح، إن ميزة التسامح عند المغاربة خيار قديم، ومتأصل في عمق التاريخ المغربي نفسه، ويشهد الملك الراحل الحسن الثاني، في هذا الصدد بالاتفاقية التاريخية التي عقدت خلال القرن 15 بين السلطان المريني، الذي كان يحكم المغرب آنذاك، والحاخام طيوليدانيو والتي بموجبها تكفل المغرب بإيواء وحماية اليهود من محاكم التفتيش بإسبانيا، وعنها يقول الملك الراحل: مرسوم التسامح هذا ظل قائما ساري المفعول لا يبطله شيء، بل جدنا المولى عبد الرحمان، أقره رسميا سنة 1864، وخلال أعمال التحضير لمعاهدة مدريد التي أبرمت سنة 1880 لم تترد وفود بعض الدول في التصريح بأن التسامح سنة عريقة في المغرب، وأن هؤلاء المؤسسين لم يعانوا أبدا من مضايقة ولا من إزعاج ، ومن تم احترام الأقلية اليهودية في المغرب واعتبارها جزءا من الأسرة المغربية التي يجب حمايتهم، فهم يستفيدون من جميع حقوقهم الدينية والسياسية، ونفس الأمر يخص الأقلية المسيحية.

كما يحيل أيضا على موقف رائع للملك محمد الخامس طيب الله تراه، عندما آوى اليهود الفارين من اضطهاد النازية، وتأسيسا على هذا العمق التاريخي الذي وجد تجلياته الحديثة في حماية جلالة الملك محمد الخامس، قدس الله تراه، في عملية السلام بالشرق الأوسط مع محبي السلام من اليهود المغاربة وغير المغاربة وتكريسا للعهد الجديد والتحول الديموقراطي والحداتي الذي تعرفه المملكة سواء داخليا أو خارجيا قد عمل جلالة الملك محمد السادس نصره الله على ترسيخ مفهوم التسامح على أصول متينة، تعتمد على توسيع مقتضياته لتمتد إلى أبعاد كثيرة ومتنوعة، وتوجه أغلب المجالات انطلاقا من التسامح الديني، حيث ركز على بعده التعبدي، كإحضاره في الحج وغير من العبادات الجماعية، وجعل السلوك المفضل لجاليتنا بالخارج في معاملتها لأصحاب الثقافات الأخرى، وهنا أستحضر دور التسامح الثقافي بين الشعوب بمختلف ديانتهم وأفكارهم واتجاهاتهم، لا يتم دون أن يلجأ كل مجتمع إلى رسم استراتيجية خاصة به تأخذ بعين الاعتبار الإطار العام للتسامح الديني والثقافي يعمل على احترام خصوصيات وأعراف المجتمعات.

كما اتخذه قاعدة وأساسية للديبلوماسية المغربية والتربوية التي لا يمكن التعاطي إليها دون استشعار خلفيات الموروث الثقافي من أجل تقوية الأبعاد الإنسانية والحضارية، وكان ذلك واضحا في توجه جلالة الملك محمد السادس إلى إقرار خطة طموحة رمزيتها في إشاعة قيمة التسامح والسلم والتكافل والطمأنينة للجميع.

يمكن القول من خلال هذه الورقة الموجزة حول منطق التسامح الذي يستلزم التقدير المشترك بين جميع الشعوب، باحترام الخصوصية وتبادل الخبرات والأفكار والمنافع، حيث نأمل إلى زرع عالم جديد يسوده التضامن والتأهيل ونشر مختلف الثقافات والتنمية ضد كل أنواع الحقد والانغلاق والتزمت المؤدي إلى تضارب المصالح وهدم كل الجهود المبذولة والمبادرات الفعالة.

إن أبرز سمات التسامح بالمغرب يظهر في السياسة الدينية المعتمدة و الاعتدال والحكمة في مواجهة الإرهاب والعنف عن طريق إذكاء البعد الروحي، وخلق ثورة روحية دبلوماسية تربوية من شأنها أن تهزم كل إيديولوجية هدفها قتل الأفكار والأديان الراقية وخصوصا أن مستقبل البشرية إنما هو مستقبل مع التسامح، وأن هذا التسامح يجب أن يبدأ منا و أن يبدأ مع جميع المكونات والفاعلين.

وقد اختار المغرب مبدأ التسامح كمنطق وشعار فعلي منسجم مع جميع الأديان والثقافات والعلوم مما مهد إلى جعل المملكة المغربية أرضا لحوار الحضارات والمنتديات والوساطة الدولية في نشر ثقافة التسامح ونبذ التطرف والعصبية والحروب والدعوة إلى السلم والتعايش و التضامن ومساعدة جميع الدول في السراء و الضراء امتدادا المبادئ الإنسانية المعروفة عن المملكة المغربية ملكا وشعبا في ترسيخ معالم الإخاء و الانفتاح في ظل سياسة حكيمة ورائدة تظهر أن المغرب له إستراتيجية روحية متشعبة بتاريخ عريق لدولة كاملة الأركان تعتمد على منظومة أخلاقية منسجمة ومنفتحة بأسلوب متكامل يجمع بين ما هو تقليدي وعصري مما يجعل هذا الأسلوب الراقي نموذجا للعديد من الدول باعتبار المغرب أرض التسامح و الحوار و التعايش مع جميع الأديان السماوية .
ـــــــــــــــــ
لائحة المراجع
ـ يوسف ذياب عواد ” التسامح بين الدين والسياسية ” إصدار مركز حقوق الإنسان والمشاركة الديموقراطية شمس تحرير أد رفيق المصري الطبعة الأولى تشرين أول 2007.
ـ سعيد الكرواني: نحو تجديد الخطاب الديني: ” تأسيس البنية الحوارية وحق الاختلاف ” منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1428 هــ/2007 ص 195.
ـ الرسالة الملكية السامية الموجهة للمشاركين في لقاءات فاس حول المقدس الحداثة 2 يونيو 2007.
ـ جلالة الملك الحسن الثاني ” عبقرية الاعتدال ” ص 37-38
ـ عبد الرزاق وورقية: ” التسامح الديني المغربي من خلال الخطب الملكية السامية منطلقاته وأبعاده مجلة دعوة الحق العدد 397 شعبان 1431/ يوليوز 2010 من 43.
ـ ايت حمزة مصطفى: ” منطق التسامح ” سلسلة الدروس الحسنية لسنة 1421 وزارة الأوقاف الشؤون الإسلامية الرباط المغرب (م.س) ص 77:75.
ـ ملك الإجماع الروحي–1999- 2005 منشورات أوال ميديا المطبعة ايديال الدار البيضاء الطبعة الأولى غشت 2015.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.