23 أكتوبر 2025 / 16:30

منتخب المجد في ضيافة أمير السعد

محمد خياري

أشرقت شمس النصر على منتخب الشباب المغربي، ذلك البرعم الذي تفتّح في سماء البطولة العالمية في الشيلي، حيث رفعت راية الوطن في القلوب، وأطلقت الصيحات فعانقت الأرض والسماء، معلنةً ولادة جديدة للذات الوطنية في معترك الرياضة والهوية.

لم تكن الكرة آنذاك مجرد أداة تُدحرج أو هدف يُراد إحرازه، بل كانت بذرة مغروسة عميقًا في تربة التاريخ والذاكرة الجمعية، تروي الأرض بالحلم، وتغذّي النفس، لتصبح الانتصارات أكثر من أرقام تُسجَّل، بل ملاحم تُسطَّر في صفحات الزمن، وشهادات تحكي قصص اللقاء المقدّس بين الفرد والوطن.

حين انتصر منتخبنا الوطني للشباب، انتصرت الأمة بأسرها. لم يكن انتصارًا رياضيًا فحسب، بل انتصارًا روحيًا ومعنويًا، واحتفالًا بعودة الروح إلى جسد الوطن، وتجديدًا للعزيمة المتأصلة في أعماق الجماعة الوطنية. الفرح الذي اجتاح القلوب لم يكن لحظة عابرة، بل كان تذكيرًا متجددًا بأن الوطن هو الكيان الذي لا يموت، والروح التي لا تنكسر، والأمل الذي لا يغيب مهما اشتدت المحن. في هذا اللقاء المجيد، تفتحت أبواب الفتح المبين، وتوحدت النفوس بإرادة وثقة، حتى غدت الأحلام ملكًا لشعب يرى في انتصارات أبنائه مصدر إلهام ودفء حضاري.

داخل كل مغربي ومغربية، كانت الراية الحمراء ذات النجمة الساطعة تحلّق في سماء القلب، لا مجرد شعار يُرفع بل نبض حقيقي يمنح القوة والمعنى، ويؤكد أن الانتماء صار عميقًا، جذوره مغروسة في الأرض والزمان، لا تزعزعها رياح النفور أو التعب.

بعد النصر المجيد، عاد الأبطال حاملين شعلة الفرحة والبريق، فحظوا بالاستقبال الكريم عند ولي العهد ووارث السر وأمير السعد مولاي الحسن، حيث التقت رمزية العرش وولاية العهد في رحاب القصر مع روح الجماعة المتعطشة للارتباط والانتماء. لم يكن القصر مجرد جدران تحيط، بل فضاءً مضيئًا تحتضن فيه المكرمات الملكية كل أشكال الولاء والحب الوطني، كالماء العذب الذي يرطّب شجرة الوطن الكبرى، ويمنحها المزيد من الحياة والقوة.

حين عبر الشباب بوابة السفراء من القصر الملكي العامر بالرباط، لم يكونوا مجرد أبطال على أرض الملعب، بل صاروا امتدادًا حيًا من ضمير الملك وولي عهده إلى ساحات الشارع، سفراء للحظات النصر إلى أرواح الجماهير. فأضاء الشعب شوارع البلاد، وغدت طرقات المغرب مسالك نورانية تختفي فيها حدود الفرد والجماعة، وتتحد الأمجاد الماضية مع الحاضر الزاخر بالأمل. وتحولت الجموع إلى بحر يرويه نبض الحلم، وكل نسمة منها تحمل دعاءً ووفاءً للوطن المقدّس.

كان الاستقبال الشعبي مظهرًا حيًا للرباط الروحي والوطني، حيث يمتزج الفرح بالدمع، وتتلاقى الأصوات كصلوات مفعمة بالولاء والانتماء. هنا، تتفلت كرة القدم من ضيق كونها مجرد لعبة، لتصبح طقسًا وجوديًا يعيد رسم معنى الذات الوطنية، ويبني الهوية على أساس الجماعة والروح المتعاضدة.

احتضنت الجموع ذلك النبض الروحي، وكانت كل وجوه الحاضرين تحمل قصصًا من الأمجاد والتاريخ، وكل صوت فيه نداء للوطن الغالي، حتى صارت الجماهير كأمواج تتلاطم في بحر الوحدة، تحمل معها معاني الحلم والوفاء، وتفتح نوافذ الانتماء على مصراعيها لروح الوطن الجامعة.

هذا المسار الرائع من الانتصار إلى الاستقبال الأميري ثم إلى الاحتفال الشعبي، يمثل عمق التجربة الوطنية في أسمى صورها: وطن ينمو بجهود أبنائه، أمير بإذن من والده يبارك المسيرة والنهج، وشعب يعبّر عن خلاصه من التشرذم، ويجد في الولاء طريقه للاستمرار والبقاء، نسج الهوية لتصبح صلبة لا تنحني. هنا، لا تُكتفى الملاعب بأحكام رياضية، بل تتحول إلى محاريب تجمع جماهيرها حول شعلة الوحدة والتماسك، فتهزم الفوارق وتقضي على زمن النزاعات، تحت مظلة واحدة هي راية المغرب الحمراء.

في وجه بعض الذين يقللون من قيمة الرياضة، معتبرين إياها مضيعة للوقت، تبرز كرة القدم كشبكة متشعبة تضم في طياتها الاقتصاد، الثقافة، التكنولوجيا، الفنون، والهويات الرقمية والواقعية. إنها صناعة متكاملة تشمل بناء الملاعب بهندسات معمارية متقدمة، وتطوير تقنيات رقمية وأجهزة أمنية حديثة، وتنظيم مراكز تدريب مزودة بأحدث التجهيزات الرياضية والطبية. كما تتضمن تصنيع الملابس والأحذية الرياضية، والتسويق الإعلامي، والعروض الجماهيرية، والمناطق السياحية، ووسائل النقل، بل تمتد إلى صناعة التذكارات الوطنية والفنية التي تحكي تاريخ الإنجازات.

بذلك نقول لهم: لقد تجاوزت كرة القدم مجرد الفوز المادي لتصبح مرآة تعكس صورة الوطن بصدق وغياب تصنّع، حاملةً روح الانتماء والأمل في مستقبل مزهر. لقد دُوِّن النصر في سجل الوطن ليس كحدث عابر، بل كميلاد روح جديدة تتلاقى فيها أنفاس الجميع، لتنسج جسرًا بين حاضر الوطن وطموحات أجياله.

لقد تحولت كرة القدم إلى تجربة وطنية وجودية، تعيد معاني الانتماء والهوية إلى صدارتها، وتجعل من كل انتصار حدثًا روحيًا يُحتفل به في الملاعب والشوارع والساحات، ويصبح جزءًا من خطاب الجماعة وروح الأمة.