إجة ازيكي. باحثة من المغرب
كتب الأستاذ طلال الحلو في صفحته الشخصيّة تعليقًا على المناظرة التي جمعته بالأستاذ أحمد عصيد، ما يفيد أنه كان ينتظر طوال فترة النقاش الحديث بلغة العلم والدراسات، لكن لم يحدث ذلك، في إشارة إلى أن أ. أحمد عصيد لم يقل شيئا ذا أهمية. [رغم أني أرى الأمر مجرد نقاش وليس مناظرة]
أنا لا أعتبر أي منهما يعبر عن مواقفي الذاتية ورؤيتي الشخصية بشكل جيّد، لذلك لا أميل لطرح أي منهما، لكن من الناحية النظرية فأنا مسلمة وأقرب إلى طلال الحلو من عصيد. عندما شاهدت المناظرة توقعت أن طلال سيتحدث أيضا بلغة العلم والدراسات بما أنه ينتظر ذلك من خصمه، لكن في هذا النقاش لم يتناول سوى دراسة وحيدة أصبحت عبارة عن “كليشه” قديم بين المحافظين واللبيراليين، كل يفسرها كما يشاءُ، وهذه الدراسة التي أشير إليها هيّ الدراسة والمعروفة باسم “The Paradox of Declining Female Happiness”، نُشرت عام 2009 من قِبَل الاقتصاديَين بيتسي ستيفنسون وجاستن وولفرز من جامعة ميتشيغان (Stevenson & Wolfers, University of Michigan). الدراسة وجدت أن ما بين 1972 و2009 عرفت مستويات السعادة لدى النساء في الولايات المتحدة الأمريكية وأروبا الغربية انخفاضًا عند النساء مقارنة بالرجال، بل زادت لصالح الرجال مما خلق ما يسمى بـ”فجوة السعادة” بين الجنسين، هذا الانخفاض في حدث عند النساء في سنوات تُعرف بأنها أوج التقدم الغربي النسوي فيما يخص المساواة بين الجنسين. ولذلك الدراسة معروفة عند نقاد النسوية من المحافظين، فكلما أراد أحدهم دحض أفكارها استشهدَ بها. وعلى منوالهم سار طلال الحلو في النقاش.
لكن الذي يتجاهله كل من يستشهد بالدراسة لضرب الفكر النسوي في مقتل، هو أنها لا تملك هذه الحجية ولا القوة التي ينسبها إليها هؤلاء.
فالدراسة شملت نساء أمريكيات وأوروبيات حول مفهوم السعادة والرضا عن الحياة، لكن دون إعطاء قيمة للاعتبارات الشخصية والتجارب الفردية المؤثرة في تجربة المرء مع السعادة ذكرا كان أو أنثى.
فالدراسة مثلاً لم تميز إطلاقا بين المرأة التي تعيش حياة زوجية سعيدة ولكنها في نفس الوقت تعيش مسيرة عملية منهكة وصعبة، ولا بين من تعاني من مشاكل أسرية، كالعنف أو الطلاق، أو مشاكل زوجية داخلية، ولكنها تحظى بحياة عملية سلسة ومرضية، بالإضافة إلى عدم أخذ التقلبات العاطفية والشعورية التي تعاني من النساء على الأمد القصير واختلاف النظم الثقافية في تعريف مفهوم “الرضا عن الحياة أو السعادة” لدى العينة من النساء والرجال الذين شملهم الدراسة، ففي أماكن من أوروبا وأمريكا تعد التجربة الأسرية الناجحة معيارا لتحقق السعادة، وأحيانا أخرى تعد التجربة الدينية والروحية المعيار الأساسي لتحديد مدى سعادة المرء بغض النظر عن ظروف حياته الشخصية الأخرى.
هذه مشاكل كثيرة تعيق جعل هذه الدراسة أساسًا لضرب فكرة الخصم وحجته.
لكن النقاش بين الأستاذ طلال الحلو وأحمد عصيد لا تتمثل مشكلته في هذا فحسب، بل أيضا في الحجج التي يستخدمها الطرفان التي أقل ما يمكن وصفها به هو أنها “قديمة الطراز” Outdated لا يمكنها أن تقنع سوى الشباب التسعيني وأهل الثمانينات، أما الجيل الحالي فقد تجاوز طرح الانبهار الشديد بأطروحة الحداثة وما تبشر به، كما تجاوز فكر الشيطنة المطلقة لها، وكذا النظرة المثالية للتراث والمجتمعات الإسلامية والعربية.
السيد أحمد عصيد، يبدو أنه لا يزال في زمن الانبهار الذي ذكرته، حيث كل شيء في الحداثة يبشر بجنة على الأرض، متجاهلا عن مشاكلها الكثيرة والنقد المتواصل والمتراكم على مدى عقود من قبل من بشروا بها في الغرب قبلنا. كما أن الحجج التي يستند إليها تعود لأفكار قديمة، تجاوزها حتى مؤيدي الحداثة من الأكاديميين والمناصرين.
وأما بالنسبة لطلال الحلو، فهو من النوع المحافظ الذي كان طوال النقاش يتحدث عن عيوب الحداثة، وعن البديل الإسلامي المثاليّ، الذي ينبغي لنا تطبيقه فحسب كوصفةٍ سحريّة، عصيد كان أكثر منه قربا واحتكاكا بمشاكل المجتمع المغربي اليوم والتحديات التي يواجهها، وإن كانت حلوله أيضا خارج الزمن الذي نعيش فيه، لكنه على الأقل يبصرها ولا يقفز عليها. بينما طلال يتحدث كثيرًا عما ينبغي أن يكون، دون أن يلقي نظرة عما هو كائن في مجتمعنا من مشاكل ثقافية ومجتمعية ليست بالضرورة وليدة “استغرابنا” ولا تبنينا للحداثة، بل مشاكل داخليّة، تستسلزم وقفة صادقة وناقدة تجاه تراثنا وطريقة تصورنا له، والتراث هنا لا أقصد به فقط الفقه وغيره من النصوص الدينية، بل التراث بمعنى أعم، تقاليدنا وعاداتنا وتصوراتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية المعطوبة.
باختصار، كلا الأستاذين يحتاجان ربما لتحديث معارفهما وثقافتهما عن القضايا الفكرية والثقافية والاجتماعية التي يتحدثان عنها.