دين بريس ـ سعيد الزياني
تطرح ظاهرة إقامة كنائس عشوائية من قبل مهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء داخل الأحياء السكنية بمدينة الدار البيضاء، خاصة بمقاطعة الحي الحسني، تساؤلات عميقة تتجاوز البعد القانوني إلى أبعاد أمنية واجتماعية وثقافية وسياسية، مما يستدعي قراءة متأنية وتحليلا رصينا للوقوف على طبيعة الظاهرة وتداعياتها المحتملة.
من الناحية القانونية، تمثل إقامة كنائس غير مرخصة في شقق وأقبية العمارات مخالفة واضحة للتشريعات المغربية التي تنظم ممارسة الشعائر الدينية، وهو ما يُشكل تحديا مباشرا للسلطات المحلية التي تجد نفسها مطالبة بالتدخل لضبط هذه الممارسات دون الإضرار بصورة المغرب كبلد متسامح يحترم حرية المعتقد، لكن التأخر في معالجة هذه الوضعية القانونية يدفع المهاجرين والسكان المحليين إلى حالة من الاحتقان والتوتر.
أما أمنيا، فتنطوي هذه الظاهرة على مخاطر حقيقية مرتبطة بصعوبة مراقبة هذه التجمعات الدينية غير المنظمة، ما قد يسمح بانتشار أفكار متطرفة أو ممارسات قد تهدد الأمن العام، ذلك أن غياب الرقابة الفعلية يضع السلطات الأمنية أمام تحديات كبيرة تتمثل في رصد ومتابعة هذه التجمعات السرية التي تجري في أماكن مغلقة وضيقة، مما يصعّب من مهمة رصد أي نشاط غير قانوني محتمل.
وعلى الصعيد الاجتماعي والثقافي، فإن استخدام المنازل كأماكن عبادة بشكل عشوائي يؤدي إلى احتكاك مباشر بين المهاجرين الأفارقة والسكان المغاربة، ما يولد بيئة خصبة للتوترات الاجتماعية، هذه الاحتكاكات قد تتطور إلى مواقف عنصرية أو ردود فعل سلبية من طرف بعض السكان المحليين تجاه الجاليات الأجنبية، وهو ما يهدد بانعكاسات خطيرة على النسيج المجتمعي والتعايش السلمي في المغرب.
وفي الجانب السياسي، تعكس هذه الظاهرة تحديات إدارة التنوع الثقافي والديني التي تواجه المغرب اليوم، فغياب سياسة واضحة لتدبير احتياجات الجاليات الأجنبية الدينية قد يكشف عن ضعف في التخطيط الاستراتيجي لدى المؤسسات الرسمية في التعاطي مع ظاهرة الهجرة المتنامية، كما أن هذه الوضعية قد تُستغل سياسيا في الخطاب الشعبوي أو من قبل أطراف خارجية لتشويه صورة المغرب أو لزرع الفتنة داخله.
ولتجاوز هذه الوضعية المعقدة، يبدو من الضروري تبني مقاربة متكاملة تعتمد على مجموعة من التوصيات الاستراتيجية:
أولا: الإسراع في وضع إطار قانوني واضح ينظم أماكن العبادة للجاليات الأجنبية، بما يضمن احترام القانون المغربي ويتيح ممارسة الشعائر الدينية بشكل قانوني ومنظم.
ثانيا: تعزيز الحوار مع الجاليات الإفريقية ومنظمات المجتمع المدني للوصول إلى حلول توافقية تراعي خصوصية المهاجرين وتحفظ حقوق السكان المحليين.
ثالثا: ضرورة توفير فضاءات خاصة مجهزة بالشروط الأمنية والصحية لممارسة الشعائر الدينية، تكون تحت إشراف السلطات المختصة.
رابعا: تكثيف الجهود الأمنية لمتابعة ورصد هذه التجمعات، مع الحرص على التعامل بحذر واحترام هذه الجماعات الدينية، تفاديا لأي تداعيات غير مرغوبة.
خامسا: إطلاق حملات توعوية تستهدف نشر ثقافة التعايش والاحترام بين المغاربة والمهاجرين، والحد من أي نزعات عنصرية قد تظهر بسبب هذه الظاهرة.
وتُظهر هذه الظاهرة أهمية بناء استراتيجية وطنية متكاملة تعالج الجوانب القانونية والاجتماعية والثقافية والأمنية المرتبطة بالهجرة والتنوع الديني في المغرب، بهدف تعزيز الاستقرار الاجتماعي والأمني، وترسيخ مكانة المغرب كبلد حاضن للتنوع الديني والثقافي، منفتح ومتسامح على الصعيدين الإقليمي والدولي.