د. حمزة النهيري
استمعت باهتمام لكلمة الأستاذ مولود السريري في مسألة المسح على التقاشير حيث زعم الأستاذ السريري أن المسح على التساخين أو التقاشير باطل في الشريعة بطلانا قطعيا، وهذه مغالطة فقهية مخالفة للقواعد الأصولية والتحريرات الفقهية ماكان للشيخ أن يقحم نفسه في متاهاتها، فيدعي تلك الدعاوي الكبيرة في مسألة يجري عليها مايجري في مسائل الظنون وليست من المسائل القطعية، والمسح على التقاشير والجوارب جائز لا حرج فيه كما يدل عليه الأثر والقياس.
وقد تكلم العلماء قديما على هذه المسألة و ذكر ابن القيم أن قياس التساخين و الجوارب على الخفاف قياس جلي، فالمنع من المسح على التقاشير بما ذكره الأستاذ السريري ينزل على القول في المذهب لا على جميع المذاهب فيزعم القطعية ويتهم المخالفين بعدم ضبط المصطلح، لأنه هو الآخر معرض لتهممة عدم فهم قواعد القياس ومتعلقاته وتطبيقاته، هذا والآثار في جواز المسح على الجوارب واردة مصححة، و القياس الجلي فيها مذكور والاثر عن مالك في قوله الأول معروف من حكاية ابن القاسم، وقد أفرد لها العلامة القاسمي رسالة جدير بالأستاذ السريري أن يطلع عليها، وهي مسألة قديمة سبق نقاشها مع الأصدقاء على هذه الصفحة.
قال ابن حزم رحمه الله: المنع من المسح على الجوربين خطأ، لأنه خلاف السنة الثابتة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صحح الامام الترمذي المسح على الجوربين والنعلين وحسنه من حديث هزيل عن المغيرة وحسنه أيضا من حديث الضحاك عن أبي موسى، وصحح ابن حبان المسح على النعلين من حديث اوس وصحح ابن خزيمة حديث ابن عمر في المسح على النعال السبتية، اما حديث المغيرة ابن شعبة القاضي بأن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين، فهو حديث مدني له حكم الرفع اختلف في ثبوته، ولكن من صححه يرى في ذلك حجة. .وقد تقرر في قواعد الأصول ان من صحح حديثا فله أن يعمل به من غير خلاف.
والجوارب لفافة الرجل.. قال أهل اللغة الجوارب والخف شيء لمسمى واحد وهو الظاهر من كلام أهل اللغة.
وقد أجمع العلماء على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر، خلافا للشيعة و الخوارج الذين منعوا ذلك وجل أصحاب مالك يرون المسح على الخف في الحضر والسفر. فتبين بهذا الذي سقناه اختصارا ان مغالطة الأستاذ السريري في منع كون الجورب لفظا عرفيا يشمل الخف باطل.
كما تبين أن دعوى ثبوت الغسل في الأصل يمنع المسح باطل، فثبوت الغسل بالاية والمسح على رواية الخفض اعتضادا بالحديث لايمنع المسح على مايشمله لفظ الخف، وقد نقل الأيمة الإجماع على ذلك(انظر اضواء البيان1/265).
مسألة المسح على الخفاف منسوبة إلى النبي صاحب الشريعة وليس إلى الصحابة حتى نناقش في مسألة حجية الصحابة، فالكلام عن حجية الصحابة والنقل مما تم كتابته هو اجترار للكلام خارج الموضوع المناقش.
دعواه القطع في بطلان صلاة من مسح على التقاشير قول على الله بغير علم، واستعمال الخطاب العاطفي في تقرير مسألة فقهية ظنية يجعل المتحدث في مقام ضعيف في الاستدلال، ونحن نذكره بقول الله تعالى “ولاتقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم”.
وأنا لا أحب استعمال هذا الأسلوب في الحجاج إلا ضرورة.
أما مسألة القياس في الرخص وتضعيف السريري لها، فهذا خلاف في الاصول معروف مشتهر، والحاصل ان ماعرفت علته من الرخص وتحققت تلك العلة في الفرع صح القياس فيه ومالم تعلم علته اوكانت علته قاصرة غير متعدية فلايصح القياس فيها عند جماهير أهل الأصول. فتضعيفه للقياس في الرخصة شأنه واختياره لايلزم الآخرين من الفقهاء.
ولله في في أهل الفقه والمتفقهة شؤون وشون.
Source : https://dinpresse.net/?p=13679