مغاربة حركة شام: قراءة موجزة في النشأة والمآل (2)

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس14 نوفمبر 2020آخر تحديث : السبت 14 نوفمبر 2020 - 7:43 صباحًا
مغاربة حركة شام: قراءة موجزة في النشأة والمآل (2)

أديب انور: جهادي مغربي سابق شارك في القتال ببلاد الشام ثم انسحب منه فيما بعد، يحكي عن ظروف وملابسات تجربته بسوريا والخروج منها:

٢ ـ الفكر السلفي الجهادي في المغرب:
– مفهوم السلفية: لا شك أن النسبة ترجع إلى ما يعرف ب (السلف الصالح) كما هو مشهور في إطار الدراسات الإسلامية وقد تنوعت التفسيرات المطروحة حولها، يمكننا اختزالها في بعدين بارزين:
– تاريخي وهي الفترة الممتدة من وفاة صاحب الرسالة إلى القرن الثالث لكنّ هذا التحديد التاريخي لم يوجد اعتباطا، إنما تمخض عن حديث رواه البخاري ومسلم يقول: “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته”.

– منهجي وهو تقديم النقل على العقل ف السياق العقدي والغيبي(ابن تيمية) وفي المجال الفقهي”ابن حزم الظاهري”: العمل بالنص وحرمة عرضه على العقل بأية حال.

تقدم السلفية نفسها في العصر الحديث في سياق احيائي لما طمس من معالم الدين ونقض التأويلات المغايرة للفهم السلفي ف القرون المتقدمة،انظر ابن القيم في كتابه:”الصواعق المرسلة”حيث اعتبر التأويل طاغوتا). فالغرض من انبعاثها هو تنشيط ماضي السلف الديني قصد الاجابة عن حاجيات وطموح الحاضر.

في القرون الأخيرة تم إحياء “السلفية” من طرف محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ)، الذي تبنى، كما روج لذلك، “مذهب السلف الصالح في نسخته الحنبلية، قصد تقويم العقيدة وقواعد التعبد. على أنه، ابتداء من القرن الـ19م، لم تعد السلفية التقليدية (الوهابية)، الوحيدة بالساحة، بل أوجدت ظروف الاستعمار سلفيات يمكن وصفها بالهجينة.

الحديث هنا عن “السلفية الوطنية” التي ظهرت كخيار لمواجهة القوة الاستعمارية، وكذا “السلفية الإصلاحية” التي برزت كخيار لمواجهة الغرب بوصفه “حضارة غازية”.في حين ظهرت، بعد استقلال الدول الإسلامية، “السلفية الحركية” كدعوة لاستعادة الخلافة التي فقدت بسبب الاستعمار ووريثتها الدولة الوطنية، وكذا “السلفية الجهادية”، التي ظهرت بقصد مواجهة الدولة الوطنية والمجتمع معا باعتبارهما “كافرين”.

* سياق تطور السلفية تاريخيا:
يتميز المشهد الديني في المغرب بالتنوع والتعدد فالصوفية والطرقية و الأشاعرة كلها أشكال تضرب بجذورها في تاريخ المنطقة ما شكل تحديا أمام اجتياح السلفية وتغلغلها، بالعودة إلى نشأة السلفية في المغرب، فإن ملامحها الأولى بدت مع السلطان محمد بن عبد الله بن اسماعيل وابنه سليمان-الذي أرسل وفدا إلى الحجاز للقاء حكامها الجدد وتبيان أمر دعوتهم- كان “عالما سلفيا”، مالكي المذهب، حنبلي العقيدة، ومن ثم نهى عن دراسة كتب الكلام، وحبب بالمقابل العقيدة السلفية.

يورد المؤرخ المغربي، أحمد بن خالد الناصري، في كتابه “الاستقصا” أن وريث السلطان، المولى سليمان، قام من بعده بإصدار مرسوم ينهى عن المواسم التي تقام على أضرحة الصالحين، بل وذهب أبعد من أبيه بإرسال وفد إلى السعودية لمدح دعوة عبد الوهاب. حتى حدود أواخر القرن الـ19 وبداية القرن 20، إذ ظهر شيخ في فاس اسمه عبد الله بن ادريس السنوسي. درس الأخير في القرويين، وكان صوفيا في البدء، ثم سافر إلى الهند ليدرس بمدرسة “أهل الحديث”.ولما عاد إلى المغرب، أخذ يدعو إلى منهجه السلفي في غضون ذلك، ظهر شيخ آخر اسمه أبو شعيب الدكالي، وقد درس بالأزهر فتأثر بمحمد عبده ورشيد رضا… الدكالي كان قد عاد إلى المغرب إبان الاستعمار وولاه السلطان عبد الحفيظ وزارة العدل، ومن بين أبرز تلامذته، محمد بن العربي العلوي.

بعد هؤلاء، ظهر شيخ اسمه محمد تقي الدين الهلالي… كان تلميذا لابن العربي العلوي، متصوفا في البداية هو أيضا، ثم جال بلدانا عديدة ليدرس علم الحديث، ويعتبره البعض أول من أرسى فعليا أعمدة الوهابية في المغرب. يظل أبرز تلاميذ الهلالي جميعا، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، الذي أسس عام 1976م جمعية الدعوة للقرآن والسنة، المؤسِّسةِ لدور القرآن في المغرب. لاحقا، انقسم تيار المغراوي إلى قسمين؛ من ظلوا تُبَّعاً له ومن اتبعوا شيخا سعوديا اسمه ربيع المدخلي… المدخلية في المغرب أنشأوا من جانبهم مراكز أطلقوا عليها “دار الحديث”، فضلا عن هؤلاء، نجد في المغرب سلفية غير منظمة.

بفعل تضييق الخناق عليها من طرف الدولة تعرف بـ”التيار الجهادي”… هذه السلفية بدأت تظهر مع بروز تنظيم “القاعدة”، واشتهرت في أحداث 16 ماي؛ وضعت بذورها الأولی خلال الحرب الأفغانية، ثم فجّرتها حرب الخليج مع بداية التسعينيات، و نجمت عن التزاوج بين السلفية(محمد بن عبد الوهاب ابن تيمية) والمتمذهبين بتلك الدعوة ابو محمد المقدسي؛ والايديولوجيات الجهادية (سيد قطب)و أخذت مساحة انتشارها الجغرافية تتوسع في كثير من دول العالم، مع انتشار تنظيم القاعدة.

تعود جذور الحركات السلفية-الجهادية السنية إلى نهايات السبعينيات من القرن الماضي. وقد بدأت تحديداً في مصر، حين تشكلت مجموعات جهادية تهدف إلى قلب أنظمة الحكم في العالم العربي.حيث اشتهر كتاب “الفريضة الغائبة”، ليكون بمثابة الدليل لتلك الحركات.

يقول مؤلفه محمد عبد السلام فرج: إن المسلمين “يلتزمون بكثير من الفرائض الدينية، لكنهم غيبوا فريضة أساسية وهي الجهاد”. ودعا إلى أولوية قتال “العدو القريب” – ويقصد به الأنظمة الحاكمة في الدول ذات الغالبية المسلمة – على قتال الأعداء الخارجيين، أو “العدو البعيد”.

تزاوجت الأفكار الجهادية القادمة من مصر، مع الأفكار السلفية القادمة من دول الخليج في أفغانستان. وكان المنتج الجديد هو السلفية-الجهادية. وترجم ذلك عمليا لاحقاً بتحالف بين المصري زعيم تنظيم القاعدة حاليا أيمن الظواهري، وزعيمه السابق، الداعم للجهاد الأفغاني أسامة بن لادن. وأعلن عام 1998 عن تأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين”. وبدأ ما يعرف بـ”الجهاد العالمي” .

على غرار ذلك يمكننا القول إن السلفية الوطنية افلت بانتهاء مرحلة الاستعمار ووفاة زعمائها “علال الفاسي” وفتح المجال للسلفية الوهابية. فخلال فترة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ظهر ما يشبه التحالف بين الدولة والحركة السلفية. يقول أبو اللوز. “كانت الدولة في حاجة إلى السلفية لضرب التيار الماركسي وحركات الإسلام السياسي مثل جماعة العدل والإحسان.

ومع انعطافة حرب الخليج انقسم التيار السلفي على نفسه بسبب فتوى ابن باز حول جواز الاستعانة بالأمريكان، فرد التيار الثاني توجهات زعماء السلفية التقليدية ونددوا بالسياسات التي تنتهجها الحاضنة الأم للسلفية-السعودية- مهد الانشقاق لمسار جديد غير منظم، رغم وجود شيوخ معروفين على رأسه، أطلق عليه لاحقا وصف “السلفية الجهادية.

بادر عدد من شبابه إلى تأسيس خلايا جهادية، دون أن تربطهم علاقة تنظيمية برموز التيار المعروفين مثل الشيوخ محمد الفيزازي وعمر الحدوشي وعبد الكريم الشاذلي. يقول أبو اللوز “عمل أفراد التيار تحت أعين السلطات التي لم تتدخل للحد من انتشارهم. لكنها كانت تراقبهم. وبمجرد وقوع هجمات الدار البيضاء (16 أيار/مايو 2003). قامت بزجهم إلى السجون والمعتقلات.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.