29 يوليو 2025 / 22:44

مغاربة العالم ووفاء العرش والشعب: ستة وعشرون عامًا من التمكين والوحدة في ظل إمارة المؤمنين

محمد عسيلة
نحن، بنات وأبناء، نساءً ورجالاً من مغاربة العالم، الذين نحمل المغرب في قلوبنا لا كحنين عابر، بل كهوية راسخة وجزء حي من كياننا، نعيش في قلب مجتمعات أوروبية تعددية تُلزمنا كل يوم بإعادة تعريف ذواتنا وموقعنا، ولا ننظر إلى الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده على العرش المجيد كاحتفالٍ عابر أو لحظة بروتوكولية.

بل نراها لحظة وعي وتجديد للعهد، وفرصة وطنية عميقة لتأمل مسار دولة في تحول مستمر، وملكية في تجدد دائم، وشعبٍ يبني بثقة بين تحديات الداخل ورهانات الخارج.

إنها محطة تأمل في ما تحقق من إصلاحات هيكلية، وما ترسّخ من ثوابت جامعة، وفي طبيعة العلاقة الجديدة التي صيغت بعقلانية ومسؤولية بين المواطن والدولة، بين الجغرافيا والشتات، بين الموروث الحضاري والتطلع لمغرب حديث، قوي، متماسك ومنفتح على العالم دون تفريط في هويته أو في إرثه التاريخي والسياسي والديني.

ففي عالم مضطرب، تتصاعد فيه الأزمات وتتشظى المرجعيات وتُفرغ الهويات من مضامينها، يُقدِّم المغرب نموذجًا استثنائيًا لدولة تبني مشروعها من الداخل بثقة وبصيرة.

لقد أصبح مغرب اليوم، في ظل قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، نموذجًا لدولة حديثة، مؤسساتية، تتوازن فيها الأصالة مع المعاصرة، والتقاليد الوطنية مع الإصلاح المسؤول.

اختارت المملكة طريقًا صعبًا: طريق الإصلاح الهادئ لا الانفعال، والتدرج المسؤول لا المغامرة، والتفرّد النابع من الخصوصية الحضارية لا من استنساخ التجارب الخارجية.

هذا التميّز المغربي لا ينبني على مؤشرات اقتصادية فقط، بل على وجود قيادة تدرك أن الحفاظ على المعنى الروحي، والثقافي، والمؤسساتي هو ما يحصّن الدولة ويضمن استمرار الأمة.

من موقعنا كمغاربة العالم، حيث تتقاطع الهويات وتتنازع الخطابات، لا نرى في جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده مجرد قائد سياسي أو ضامن دستوري، بل نراه أميرًا للمؤمنين، بمعناه العميق: حاملاً للأمانة الروحية، وسليلًا لبيعة شرعية راسخة في أعناقنا، متجددة عبر الأجيال، ومرتبطة بثوابت الأمة وعمقها الحضاري.

في عالم تُختزل فيه المرجعيات بين الغلو والانحلال، كانت إمارة المؤمنين استثناءً مؤسسيًا حكيمًا. ليست فقط سلطة دينية، بل مؤسسة جامعة، تُؤطر التدين بالاعتدال، وتُحصّن الهوية من التوظيف، وتمنح المغاربة داخل الوطن وخارجه أساسًا روحيًا متزنًا، لا يُساوم على جوهره، ولا ينزلق نحو التبعية أو الاستهلاك الديني الظرفي.

لقد جسّد جلالة الملك من خلال إصلاح الحقل الديني، وهيكلة المجالس العلمية، وتأهيل الأئمة والمرشدات، مشروعًا سياديًا مغربيًا يؤسس لإسلام متوازن، مغربي الجذور، إفريقي الامتداد، عالمي الحضور.

حين نُسائل – ضمنيًا أو علنًا – في أوروبا عن “أي إسلام نمثل؟”، لا نرد بالشعارات، بل نُقدّم واقعًا نعيشه: إسلام إمارة المؤمنين، المعتدل، المنفتح، الحافظ لهويتنا والمتصالح مع محيطنا.

وإذا كانت إمارة المؤمنين قد وفّرت لنا مرجعية روحية وأخلاقية، فإن حضورنا لم يقتصر على الشأن الديني. لقد أصبحنا، كمغاربة العالم، فاعلين في الدبلوماسية الثقافية والدينية والاجتماعية.

ساهمنا، إلى جانب المؤسسات الرسمية، في نقل صوت المغرب إلى الخارج: شاركنا في الندوات والمعارض، قدّمنا مبادرة الحكم الذاتي كحل جاد للنزاع المفتعل حول الصحراء، رافعنا داخل الجامعات والبرلمانات الأوروبية دفاعًا عن وحدة الوطن، وأجبنا عن تشويه الصور النمطية بالمعرفة، والانفتاح، والعمل الميداني.

لقد أصبحنا، بالفعل، سفراء غير رسميين للقيم المغربية: نُجسد الاعتدال، نُدافع عن السيادة، ونُعيد تعريف معنى الانتماء.

وإذا كانت المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج قد جسّدت هذه الثقة، فإن حضورنا المستمر في الخطب الملكية يؤكد أن الدولة المغربية لا تنظر إلينا كجالية، بل كامتداد حيّ للعمق الوطني.

إن ما تحقق خلال هذه العقود ليس مجرد مشاريع كبرى، أو مؤشرات اقتصادية، بل هو إعادة بناء تدريجية لعلاقة الدولة بالمواطن، ولمعنى المواطنة في مغرب اليوم.

جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده جعل المواطن في صلب المشروع التنموي، وأطلق ورشًا استراتيجية (التغطية الصحية، الحماية الاجتماعية…)، وأرسى دعائم نموذج تنموي جديد يربط بين العدالة المجالية، والتوازن الاجتماعي، والتحول الاقتصادي.

لكن نجاح هذا المشروع لا يمكن أن يكون رهين شخص جلالة الملك وحده. بل هو مسؤولية مشتركة، تحتاج إلى جبهة وطنية من الداخل والخارج، تُواكب، وتشارك وتقترح.

نحن، مغاربة العالم، مدعوون أن نكون جزءًا من الحل لا من الهامش. أن نبني الجسور، نربّي أبناءنا على الاعتزاز، نُسهم بخبراتنا، لا كمجرد مساهمين ماليين، بل كمواطنين فاعلين، واعين، ومسؤولين.

ستة وعشرون عامًا من القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس علمتنا أن قوة المغرب لا تُقاس بموقعه، بل بقدرته على الحفاظ على وحدته، وتحصين مؤسساته، وتجديد معانيه.

نحن لا نقف على الرصيف. نحن في قلب المسار. نعتز بملكنا، نعتز بهويتنا، ونؤمن أن الغد سيكون أفضل، لأننا لا ننتظر المستقبل… بل نُشارك في صناعته، بعقل، ومسؤولية، وإخلاص.
ـــــــــــــــــــــــــــ
استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا