محمدعسيلة؛ أستاذ محاضر ومستشار في شؤون الاندماج والتربية والتعليم – رئيس جمعية العائلة المغربية للثقافة والشباب
لست من المغالين إن سلمت مجازا أو اعترفت حقيقة في هذا الآن بالذات بأن مغاربة العالم يتوفرون على ماضٍ عريق نيَّف على نصف قرن، يتشكل من معاملات و تفاعل في مجالات حياتية متعددة مع الآخر المختلف، تحكمه بصيرة و تبصر وتفقه فطري لتفادي الاصطدامات التثاقفية و التقليل في أحسن الظروف من النشوز في القرب و التقارب الإنساني الكوني.
قد أسلك مسلك الباحثين و الملاحظين المتتبعين لإثبات هذه الفرضية، نهجي نهج مغاربة العالم في ملامسة واقعهم بشكل فطري كذلك لأنني أنتمي لهذه الأسرة الفاضلة من مغاربة العالم التي ما فتئت تتعايش بشكل أو بآخر، ضمانا لأقل تفاهم و تفهم و لأكثر انسجام اجتماعي، حفظا للكرامة و لمقومات والعيش الكريم.
إن تشييد و تأسيس الجمعيات و بناء المساجد من طرف مغاربة العالم من الجيل الاول و الذي كان مفتقدا في سبعينات القرن الماضي لميكانيزمات التواصل -الكتابي على الأقل- و يعاني من غياب الاعتراف المؤسساتي و الحنكة السياسية لَمعجزة من المعجزات في نظري لما يتطلب ذلك من مهارات و كفاءات لتجاوز التحديات الإدارية و القانونية التي تتطلبها تلك الملفات المطلبية لدى الإدارات المركبة و المتعددة الاختصاصات.
إن المعرفة الفطرية لمغاربة العالم بدواليب الفكر الاروربي وبنياته وإداراته جعله يستدرج هؤلاء الأوصياء الى حلبته ليفاوضوهم بطريقة مباشرة. فنالوا من الود والمحبة ما نالوا و اكتسبوا من الثقة النزر الكثير لانضباطهم و سلاسة معاملتهم واستثمارهم لعلاقاتهم مع أرباب عملهم الذين قدموا شهادات تاريخية في حقهم و”وقعوا على بياض” لضمان تفعيل ملفاتهم لدى الإدارات و المؤسسات والتي -أعني الملفات – لم تكن تهم أو تروم قضاء مصالح آنية أو مآرب شخصية.
كان ذلك اللبنة الاولى لهذه المساجد و المؤسسات التمثيلية التي شكلت خريطة طريق للجاليات الاخرى أو لجالية مسلمة أخرى أبت إلا أن تبقى لصيقة المساجد المغربية التي احتضنتها بقلب مفتوح عملا بمفهوم “الأمة” و “الأخوة”.
وفي هذا السياق أسطر بخط قاتم على مشاركة ومساهمة المرأة المغربية في بناء هذا الصرح الحضاري، حيث فضلت -هذه المرأة- أن تبقى مناصفة للرجل، لكن وبغريزة وفهم وتقسيم للأدوار بشكل هاديء مطبوع بالاحترام أن تبقى وراء الستار. ولن يتسع هذا المقال إلى تفصيل في هذه الوضعية، لكن أنادي بقراءة موضوعية وتاريخية مفصلة لدور و مشاركة المرأة المغربية في بناء الانسان الذي بنى المساجد ويشكل عدد كبير منهم شريحة الأساتذة الجامعيين والاكادميين والعلماء و رجالات التربية ومديري ومديرات الابناك وغيرهم بالتذكير والتأنيث كثير.
أضيف الى تحليلي المتواضع لإثبات فرضيتي كذلك المساهمات المالية و العينية -رغم قلة اليد – و بسخاء حاتمي فاجأ الملاحظين في صرف اعتمادات و في صمت تعبدي تعدى الملايين من الأوروهات (الملايير من الدرهم المغربي) كي تُبنى بيوت الله في وقت و رقعة زمنية أعتبرها شخصيا معجزة ثانية من معجزات الواحد الديان.
ومن فضائل هذا الوجود المغربي سن مغاربة العالم منذ التحاقهم بالقارة العجوز لفقه فطري مرتبط بالواقع لتفادي موجات العنصرية العاتية و الرفض و الاقصاء و ملاءمة معيشهم لمحيطهم ضمانا لتموقع مجتمعي و مؤسساتي وثقافي ضمانا لكرامتهم و تحقيقا لعيش كريم.
ولا تفوتني هنا الاشارة الى هذا الاغناء الثقافي و اللغوي الذي ساهم مغاربة العالم في تنزيله.
إن مغاربة العالم حاولوا بناء صرح أولي لاستراتيجية تعتمد على:
١- احترام وضعية و دورهم كضيوف و التي كان يروج (بضم الياء وفتح الراء) في الادبيات السياسية و البحثية،
٢- اقتناعهم بتدبير شؤونهم العملية و الإدارية كيد عاملة جلبت لهم احترام رؤسائهم و جيرانهمفي اجتناب للتوتر،
٣- تبنيهم لمقاربة اندماجيةلم تكن مكلفة بل رابحة للمجتمع والمؤسسات الالمانية،
٤- حفاظهم على ربط اواصر العلاقات مع الوطن لتجنب السقوط في براثن التطرّف و مستنقعات الاستيلاب الفكري و الثقافي،
٥- الحفاظ على تربية مندمجة و متكاملة لأبنائهم و بناتهم في تقسيم صارم للأدوار بين أب/زوج يهتم و يعتني “بالخارجي” وأم/زوجة تعتني “بالداخلي”.
٦- تخصيص فضاءات بشكل فطري و عفوي لكنه واعي لتدبير الثقافي و الديني داخل جمعيات تحتوي على قاعات للصلاة وأقسام لتعليم اللغة العربية و تحفيظ القرآن الكريم على أيدي أئمة أجلاء أبلوا البلاء الحسن في حفظ هوية مغاربة العالم دون دراية بالاديولوجيات التربوية المسخرة أنذاك لتذويب هوية الأقليات.
للأسف لم تحتظ هذه الحقبة التاريخية بدراسة تاريخية موضوعية و معقمة نقدمها بشكل حضاري كدروس في الوطنية و كورقة ضغط فاعلة لتقوية وجودنا و مرجعيتنا وانتمائنا الإفريقي الاروربي: إلى المغرب و الى هذه البلدان الأروبية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=6919