11 يونيو 2025 / 11:11

معنى اللامذهبية قنطرة اللادينية

د. الناجي لمين

دار الحديث الحسنية

هذه القولة عنوان لمقال كتبه الشيخ زاهد الكوثري رحمه الله. ومعناها صحيح لا غبار عليه، وقد فصلتُه في كتاب لي بعنوان: “السنة النبوية وعلاقتها بالعمل وبالمذاهب الفقهية”.
وخلاصة هذه القولة أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن على رسوله الكريم؛ ولم يقل له: أَعطِهِ لأصحابك لِيُطبقو ما فيه؛ بل أمره بِبيانه. واستمر صلى الله عليه وسلم في البيان بضعا وعشرين سنة؛ عاشها رسول الله مع أصحابه؛ فبيَّن لهم القرآن قولا وعملا وتقريرا. والتقريرات أكثر من الأقوال والافعال؛ ولكن ما وصلنا مكتوبا هو الفعل والقول؛ والتقرير في المكتوب قليل. ولذلك اهتم العلماء بأقوال الصحابة وأقضيتهم لأنهم هم الذين يعرفون هذه التقريرات.
فما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكمل الله بِبَيانه الدين. ثم كان عهد الصحابة، فطبقوا على الحوادث ما تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة والقرآن أو ما فهموه منهما. ثم اقتفى التابعون سنة الصحابة في ذلك. فلما جاء الأئمة المجتهدون وجدوا تراثا ضخما من المسائل؛ منها المتفق عليه ومنها المختلف فيه؛ فمالك مثلا اهتم بعلم أهل المدينة، وأبو حنيفة اهتم بعلم أهل الكوفة؛ والشافعي ضمّ إليهما علم مكة وغيرها من الامصار التي أقام فيها الصحابة.
فمَن اعتقد ان الأئمة أنشؤوا مذاهبهم انطلاقا من القرآن والسنة فهو جاهل بتاريخ التشريع؛ وها هو الموطأ بين أيدينا. وها هي كتب محمد بن الحسن الشيباني الستة التي تسمى بظاهر الرواية مطبوعة إلا واحدا.. فإذا أضفنا إليها مصنفي ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وسنن سعيد بن منصور؛ والاوسط لابن المنذر والاستذكار والتمهيد لابن عبد البر، والمحلى لابن حزم… اتضحت الصورة تماما.
نعم مَن قرأ في الأم للشافعي يرى أنه يقدم للمسائل بالقرآن إن وُجد ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس.. ولكن المسائل التي يعالجها كانت موجودة معروفة. بل إنه لم يجتهد في المواريث، إنما قلد فيها زيد بن ثابت.
الحاصل من هذا كله أن أئمة المذاهب ورثوا لنا الإسلام كما جاء عن الصحابة والتابعين؛ ولم ينظروا في النصوص بمعزل عن هذا الميراث.
والمعلوم أن النصوص حمالة أوجه؛ فإذا اعتمد كل عالم على النصوص الشرعية كان لكل منهم دين خاص به؛ لانه لا توجد مرجعية تُحدد المعالم الكبرى: فَلمْ يبق لا قطعيات ولا إجماع ولا جمهور.. . وإذا أضفنا إلى ذلك الدُّخلاء وأعداء الدين انفرط العقد، وانحلت عرى الإسلام. وها نحن اليوم نرى شيئا من ذلك. فبعد أن كان خلاف المسلمين منحصرا في أربعة مذاهب لا خامس لها؛ أصبحت المذاهب بعدد المتحدثين في الشريعة.
مع أن هذه المذاهب الأربعة متفقة في ثلثي الفقه؛ والخلاف في الثلث فقط؛ وهو خلاف لا يمس جوهر الدين وأساسه.
والله أعلم.