16 يوليو 2025 / 11:36

معضلة التفكير الرغبوي أو التفكير بالتمني

د. عماد فوزي شُعيبي

نقصد بالتفكير الرغبوي، أو تفكير بالتمني، تكوين القناعات أو اتخاذ القرارات القائمة على رغبات الفرد بتمني ما يريده عوضًا عن التفكير الذي يستند إلى الأدلة، أو العقلانية، أو الواقعية. أو حتى وضع احتمالات مختلفة. أنه نوع آخر من أنواع التمركز حول الذات، باعتبار أن رغبتها تفيض عن الواقع.

تشير الدراسات إلى أن مَن لديه هذا الانحياز يتوقع أن النتائج الإيجابية هي الأكثر احتمالية من النتائج السلبية، وذلك في حالة الانحياز إلى التفاؤل، ولكن بعض أنواع التفكير بالتمني ينحاز نحو ما هو سلبي. وفي كل الحالتين إنه انحياز إلى ما يتوافق مع رغبات الذات لا مع طبيعة الواقع نفسه. صحيح أن البشر يميلون نحو رغباتهم بما يمكن أن نطلق عليه «مرحلة الحلم» ولكن التفكير بالتمني غالبا ما يعطل التعامل مع الواقع، ومع ضغط الحياة الواقعية تأتي «مرحلة الكابوس» وفيها يكون كل شيء على عكس ما يريد المرء ويصل لذروته حيث يحدث «الانفجار عند الاصطدام بالواقع» حينما يتلاشى الخيال.

‏هنالك أمثلة كثيرة على هذا الانحياز في التفكير منها مثلاً:

أولا: أمثلة سياسية

  1. عندما أكدت إدارة كيندي أنه إذا انتصرت القوات الكوبية سيتمكن الثوار المدعومون بجهاز المخابرات الأمريكية من الإفلات من الاعتقال عن طريق الذوبان وسط أهل الريف أثناء عملية غزو خليج الخنازير. وكانت النتيجة معاكسة تماماً.
  2. هتلر وغزو الاتحاد السوفيتي (عملية بارباروسا 1941):

ظنّ هتلر أن “روسيا ستسقط مثل ثمرة ناضجة”، متأثراً برغبته في النصر السريع، رغم التاريخ المعروف عن قسوة الشتاء الروسي، واتساع الأرض الروسية، ومصير نابليون قبله. النتيجة: كارثة عسكرية مدمّرة.

  1. فرنسا عشية الحرب العالمية الثانية:

كانت النخبة الفرنسية تعتقد أن معاهدة ميونيخ (1938) “حققت السلام”، لأنهم أرادوا تجنّب الحرب بأي ثمن. هذا التفكير التمني جعلهم يستهينون بخطر هتلر حتى فاجأهم بالغزو.

ثانياً: أمثلة اقتصادية

  1. فقاعة الإنترنت أواخر التسعينات:

كان المستثمرون يعتقدون أن كل شركة تضع كلمة.كوم ستنجح حتماً، رغم غياب الأرباح والنماذج المستدامة. الرغبة في الثراء السريع غلبت على التفكير العقلاني… ثم انفجرت الفقاعة.

  1. أزمة الرهن العقاري 2008:

كثير من البنوك اعتقدت أن سوق العقار الأميركي “لن ينهار أبداً”، وكان هذا نابعاً من تفكير تمنّي لا واقعي. النتيجة: أكبر أزمة مالية منذ الكساد الكبير.

ثالثاً: أمثلة إدارية وتنظيمية

  1. مدير يتجاهل تحذيرات قسم الجودة: ويريد أن يُصدق أن منتج شركته جيد بما يكفي، رغم تقارير الجودة التي تقول بعدم مواكبة التطور. الرغبة بالتفوق تعميه عن الحقائق، فتكون النتيجة خسارة السوق وسمعة الشركة. كما حدث تقريباً مع شركة نوكيا
  2. رواد الأعمال الجدد:

كثير من المؤسسين يتصورون أن أفكارهم ستنجح فوراً لأنهم يحبونها أو يرغبون بذلك، ويتجاهلون تحليل السوق أو الحاجة الواقعية لها. هذا يؤدي إلى نسبة فشل عالية للشركات الناشئة.

تحليل تطبيقي نفسي – واقعي

تُبنى منظومة التفكير الرغبوي على “الأنا المتضخمة” التي ترى أن الواقع يجب أن ينصاع لها. هي آلية دفاع نفسي لتخفيف القلق، لكنها على المدى الطويل تؤدي إلى خيبة أمل، وسقوط في فخ المفاجآت السلبية. كما يرتبط التفكير الرغبوي بثلاثة مشكلات نفسية: الإنكار في علم النفس، الانحياز التأكيدي حيث يركز الفرد فقط على المعلومات التي تُرضي رغبته، التمركز حول الذات حيث يرى الفرد العالم كما يريده لا كما هو.

خلاصة نظرية فلسفية – سياسية

التفكير الرغبوي هو فخ فلسفي ينكر عبء الوجود (الواقع) عبر قفزات الأمل غير المبرر. هو ميل للتعامل مع التاريخ والسياسة كأحلام يقظة لا كميدان صراع ووقائع. إنه إسقاط الذات على العالم لا محاورته. هو حلمٌ يُبنى على صدى الصوت الداخلي، حتى إذا جاء صوت الواقع، ارتطم به الحالم، واستفاق مكسوراً.