مشروع قانون العدول: هل هو فرصة للإصلاح أم تهديد للمهنة؟
كتبه: د.يوسف الحزيمري
تُعد مهنة العدول في المغرب ركيزة أساسية ضمن منظومة العدالة، وتشهد حالياً مرحلة إصلاحات تشريعية مهمة، لا يخلو الأمر فيها من تحديات ونقاشات مهنية واسعة، لا سيما مع المصادقة الأخيرة على مشروع القانون الجديد.
والوضع المهني العدلي في المغرب اليوم يشهد تأججا وانقساما في أجهزته، بسبب هذا المشروع المنظم للمهنة، والذي صادق عليه المجلس الحكومي في نوفمبر 2025م.
على إثر ذلك انقسم السادة العدول حول هذا المشروع إلى:
فئة قابِلة لهذا المشروع لأنه جاء بعد جهد كبير استمر لفترة زمنية طويلة، وبناء على توصيات الجمعية العامة، وأتى بمستجدات لا يسع الأمر عدم قبولها، وإذا كان هناك نقص وخلل يمكن تداركه عبر المؤسسات التشريعية.
وفئة رفضت هذا المشروع وتمثل أغلبية العدول، وطالبت بسحبه لأنه لم يلبي مطالب العدول المفصلية التي أجمع عليها في الجموع العامة السابقة، والجمع العام الأخير المنعقد بالرباط بتاريخ يوم الأحد 18 فبراير 2024م.
هذه الفئة الأخيرة وضعت أياديها على مكامن الخلل، والأغلال التي وضعت على المهنة ـ حيث وصفوه بالقانون الجنائي ـ من دون الحصول على الآليات التي تمكن من الاشتغال، والحمائية القانونية التي تحفظ كرامة العدل، وتمنحه حقوقا تمكنه بالوفاء بالتزاماته القانونية.
من أجل ذلك وبسببه خرجت تنسيقية تضم مجموعة من المجالس الجهوية عبر ربوع المملكة، وخرجت ببيانات رافضة لهذا المشروع مطالبة بسحبه والعودة به إلى طاولة الحوار التشاركي، وطالبت بانعقاد الجمعية العامة.
وللتذكير فقد نص القانون 03/16 المنظم لخطة العدالة في مادته 59 على أن الجمعية العامة -ضمن أجهزة الهيئة الوطنية للعدول – تأتي في أول الترتيب قبل رئاسة الهيئة ومكتبها التنفيذي ومجالسها الجهوية، وهذا الترتيب ليس اعتباطيا أو لا قصد له، وذلك نظرا لكون الجمعية العامة هي أعلى سلطة تقريرية حسب المادة 60 من نفس القانون.
وتجتمع الجمعية العامة بالرباط اجتماعها العادي كل ثلاث سنوات لانتخاب الرئيس، واستثناء كلما دعت الضرورة إلى ذلك، بطلب من الرئيس أو من ثلثي أعضاء المكتب التنفيذي.
وهو [أي رفض المشروع/المطالبة بانعقاد الجمعية العامة] ما لم يتقبله الرئيس الوطني للعدول، وخرج في تصريح صحفي موجه للرأي العام والسادة العدول ـ دون إصدار بيان كما هو العرف الجاري في الهيئات القانونية ـ صرح فيه بقبوله للمشروع مع إمكانية تعديله في قبتي البرلمان ومجلس المستشارين، وأن العدول (لا يحلمون بأنه سيسحب المشروع)، وعن حق الجمعية العامة في الانعقاد الاستثنائي للخروج بقرارات بخصوص مشروع القانون الجديد، صرح بالقول في “الدقيقة 35 من التصريح” أنه: (معندوش الوقت باش يضيعوا مع هاد الشي)، وهو ما اعتبره أغلب السادة العدول مصادرة لحق الجمعية العامة وسلطتها التقريرية، واستخفافا بأجهزة الهيئة.
وانتفض السادة العدول ضد هذه المصادرة، وعبروا مجددا عن رفض المشروع والمطالبة بالسحب، وطالب مجلس الرباط في بيان له بعقد الجمعية العامة، واجتهدوا في تنظيم مؤتمر وطني لمدارسة الأمر وأعلنوا عن انعقاده بالرباط، ليتفاجؤوا بسابقة ولأول مرة في تاريخ الهيئة تتم مراسلة وزير الداخلية بعدم قانونية المؤتمر، وأنه لا وجود له ضمن أجهزة الهيئة، مع أن المؤتمر هو اجتماع مجموعة من الأشخاص الذين يشتركون في اهتمام أو خلفية مهنية أو علمية مشتركة، بهدف مناقشة قضايا معينة، أو تبادل المعلومات والخبرات، أو اتخاذ قرارات.
في الوقت الذي لا زال مشروع القانون الجديد موضع نقاشات وخلافات داخل الجسم المهني، يواجه العدول فيه تحديات جمة، أبرزها:
الخلاف حول المشروع: حيث عبرت مجالس وهيئات تمثيلية للعدول عن رفضها للمشروع واعتبرته “انقلابياً” على مكتسباتهم، مطالبين بسحبه وإعادة النظر فيه عبر حوار مهني حقيقي.
المطالبة بالمساواة: يطالب العدول بالمساواة مع المهن التوثيقية وعدم التمييز بينها، خاصة فيما يتعلق بحساب الودائع، فلا يعقل أن يكون الهدف والادعاء بالحفاظ على الأمن التعاقدي مع إقصاء العدول من صندوق الإيداع، وكذا إضفاء الصبغة الرسمية الفورية على وثائقهم، دون الحاجة لتأشيرة القاضي.
العصرنة والرقمنة: تفرض ضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية وتحديات الأمن التوثيقي في سياق التحول الرقمي الذي يشهده المغرب، وهو ما لا يسعف به القانون الجديد، بالرغم مما جاء في ديباجته من أنه: ” كان ولا بد من وقفة تأمل وتفكير لتقييمه، واستجلاء مكامن ضعفه ومعوقات تنزيله لغاية مواجهتها، وبالتالي تحقيق المناعة لهذه المهنة القانونية الهامة” باختصار؛ تمر مهنة العدول في المغرب بمرحلة مفصلية تهدف إلى تحديثها وتنظيمها بشكل أفضل، لكنها تتطلب التوافق بين رؤية وزارة العدل ومطالب المهنيين ـ الذين وصفوا المشروع بالكارثة، ووسموه بالريع التشريعي ـ وذلك لضمان جودة الخدمة المقدمة للمواطنين وتعزيز الأمن القانوني للتعاقدات.
إن الوضع المهني للعدول في المغرب يعكس توازناً بين التحديات والفرص، ويتطلب النجاح في هذا المجال من العدول الالتزام بالتطوير المهني المستمر، والتكيف مع المستجدات القانونية والتكنولوجية، وهو ما لا يرفضه العدول، ويعد هذا الأمر أساسياً لضمان تقديم خدمات عدلية فعالة تعزز من ثقة المواطنين في النظام القضائي المغربي.
وختاما تجدر الإشارة إلى أن العدل يضطلع بدور حيوي كمساعد للقضاء، حيث يختص بتوثيق مجموعة واسعة من العقود والمعاملات؛ وتشمل مهامهم الأساسية ما يلي:
قضايا الأسرة: التوثيق الحصري لعقود الزواج، والرجعة، والطلاق، والميراث وفقاً لمدونة الأسرة المغربية.
المعاملات المالية والعقارية: صياغة وتوثيق العقود المتعلقة بالملكية العقارية (محفظ وفي طور التحفيظ وغير المحفظ)، والوصايا، وغيرها من المعاملات القانونية.
تقريب الإدارة من المواطنين، وتقديم الاستشارة المجانية: يعمل العدول على توثيق المعاملات الأسرية والمالية للمغاربة في أماكن بعيدة ونائية، فهم كوسيط بين المواطن والإدارة سواء تعلق الأمر بتسجيل العقود وما يترتب عنها من ضرائب لصالح الجهات الملزمة لها، ولعل نصف وقت العدول بمكاتبهم يذهب لتقديم الاستشارة للمواطنين وإسداء النصح لهم وذلك مجانا بدون مقابل.
إن مهنة العدول هي حصن حصين من حصون الدفاع عن الهوية الإسلامية، والثوابت الدينية للمملكة المغربية، وتاريخيا كان لها المكانة الرفيعة لدى سلاطين المغرب العلويين الذين نظموها بظهائر شريفة ومراسيم جليلة، وكان للعدول موقف وطني ومشهود ضد الاستعمار ونواياه الخبيثة في الاستيلاء على أراضي المغاربة.
التعليقات