1 أغسطس 2025 / 11:55

مسلمون في نوادر البلدان: واقع المسلمين في أستراليا (الحلقة 2)

دين بريس

واقع المسلمين في أستراليا
يعيش في أستراليا اليوم أكثر من 900 ألف مسلم، يشكلون نحو 3.2% من مجموع السكان، وفقًا لإحصاءات التعداد السكاني لعام 2021.

وعلى مدى العقود الماضية، أصبح المسلمون مكونًا أساسيًا في المشهد الأسترالي متعدد الثقافات، بعد موجات هجرة قدمت من لبنان وتركيا وأفغانستان وباكستان ودول إفريقية، إلى جانب أستراليين من السكان الأصليين ممن اعتنقوا الإسلام. ورغم هذا الوجود المتنامي، لا يزال واقع المسلمين في أستراليا يتراوح بين النجاحات المحققة والتحديات المستمرة.

ومن أبرز مظاهر الاندماج، النجاح الملحوظ للعديد من المسلمين في مجالات التعليم، وريادة الأعمال، والخدمات العامة. فقد تمكنت أجيال من أبناء الجالية المسلمة من شق طريقها في المجتمع الأسترالي، متجاوزة عقبات اللغة والاندماج الثقافي.

وتُسهم المدارس الإسلامية المنتشرة في مختلف الولايات، إلى جانب المؤسسات المجتمعية والدينية، في تأهيل الشباب المسلم للعب أدوار فاعلة في الحياة العامة، دون التخلي عن القيم الدينية والثقافية الخاصة بهم.

رغم ذلك، لا تزال بعض الفئات داخل الجالية، خاصة من اللاجئين الجدد أو ذوي الخلفيات الاجتماعية الهشة، تواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية.

وتُظهر الإحصاءات أن نسب البطالة والفقر في بعض التجمعات المسلمة تفوق المتوسط الوطني، ما يطرح تحديات تتعلق بالفرص المتكافئة والعدالة الاجتماعية. إلا أن المبادرات المجتمعية التي تقودها منظمات إسلامية وغير إسلامية، تسعى لسد هذه الفجوات من خلال التدريب المهني، والإرشاد الأسري، والمساعدة القانونية.

على الصعيد الديني، يتمتع المسلمون في أستراليا بحرية كاملة في ممارسة شعائرهم، كما يتيح النظام القانوني إنشاء المساجد والمدارس والجمعيات الدينية بحرية تامة.

لكن، وفي موازاة ذلك، يواجه بعض المسلمين ممارسات وتمثيلات سلبية في الإعلام أو في المجال العام، لاسيما بعد الأحداث الإرهابية العالمية، وهو ما يعزز أحيانًا مناخات الريبة أو التحيز تجاههم.

وتشير تقارير منظمات حقوقية إلى تصاعد بعض مظاهر الإسلاموفوبيا، خاصة ضد النساء المحجبات، والمساجد، والرموز الإسلامية.

لمواجهة هذه الظواهر، تحرص المؤسسات الإسلامية الكبرى، مثل المجلس الإسلامي الأسترالي، على بناء شراكات مع السلطات المحلية ووسائل الإعلام، بهدف تصحيح الصور النمطية وتعزيز التفاهم المتبادل.

كما يشارك العديد من القادة المسلمين في برامج الحوار بين الأديان، وفي مبادرات بناء السلام المجتمعي، التي تسعى إلى تقديم الإسلام كجزء من النسيج الأسترالي المتنوع، لا كعنصر خارجي أو دخيل.

سياسيًا، شهدت أستراليا خلال العقد الأخير صعود عدد من الشخصيات المسلمة إلى مواقع تمثيلية مؤثرة، سواء في البرلمان أو المجالس المحلية أو الإعلام.

ويعكس هذا الحضور السياسي المتزايد تحولا في وعي الجالية تجاه أهمية المشاركة المدنية، بعد أن ظل التمثيل السياسي محدودًا لعقود. وباتت أصوات المسلمين تُسمع بشكل أوضح في النقاشات المتعلقة بالهجرة، والهوية، والتعليم، وقضايا الشباب.

وعلى مستوى القيم الاجتماعية، لا يتردد المسلمون في أستراليا في الانخراط في قضايا عامة تتجاوز الدين، مثل حماية البيئة، ومكافحة التمييز العنصري، والدفاع عن حقوق السكان الأصليين. ويعبّر هذا الانخراط عن وعي جديد لدى الشباب المسلم بضرورة التفاعل الإيجابي مع محيطه، دون التخلي عن هويته، بل من خلال تفعيلها في إطار المواطنة النشطة.

التحدي الأكبر الذي يواجه المسلمين في أستراليا اليوم، ليس فقط مقاومة التمييز، بل أيضًا بناء سردية ذاتية واثقة، تتجاوز حالة الدفاع المستمر، نحو تأكيد الوجود كشركاء في صناعة مستقبل البلاد.

إن بناء خطاب إسلامي أسترالي، ينبع من خصوصية الواقع المحلي، هو أمر بات ملحًا لتجاوز الصور المستوردة أو النمطية، سواء من الشرق أو من الغرب.

هذا ويبدو أن مستقبل المسلمين في أستراليا يتجه نحو مزيد من المشاركة والانخراط، مدعومًا بأجيال شابة أكثر تعليمًا وثقة وانفتاحًا.

ومع استمرار التحديات، فإن البيئة الأسترالية التي تقوم على الحرية وتعدد الثقافات، تمنح الفرصة لبناء تجربة إسلامية محلية فريدة، قد تكون نموذجًا للتعايش والتفاعل في مجتمعات غربية أخرى.