18 مارس 2025 / 16:04

مسلسل معاوية ما بين الجابري وطه عبد الرحمان

نادية عطية
كلما تحدثت عن مسلسل معاوية الا وأضافت رضي عنه الله، حاولت أن افهم مصدر كل هذا التقديس وشاهدت بضع حلقات وفي الحقيقة لاحظت مجهودا دراميا خارقا لجلب كل أسباب التعاطف مع الشخصية، كما ان الديكور والملابس تتماشى مع منطق العصر الاستهلاكي لجلب جمهور الصورة والفرجة، فأنا لا اعتقد أن هذا خطأ بل هو مقصود لغرض تحقيق الفرجة. كل ما في دمشق جميل ومبهر في مقابل مظاهر البؤس والفقر في مكة. لكن الذي ينبغي التوقف عنده هو تزوير التاريخ وعدم قول الحقيقة كاملة.

يقول محمد عابد الجابري إن الثورة ضد عثمان لم تكن ثورة طبقية ولا ثورة فقراء ضد أغنياء كما أورد حسين مروة والطيب تزيني، لكنها كانت ثورة ممن لم ينالوا حظهم من الغنائم سواء كانوا أغنياء أو فقراء. طلحة والزبير ثارا لأنهما هُمّشا وكانا يطمعان في حكم الكوفة والبصرة، وأما علي فهو حسب الجابري أكثر من كان مرتبطا بالعقيدة دون القبيلة والغنيمة، حتى إنه فضل دائما البقاء إلى جانب الرسول، والبقاء في مكة والمدينة بعد ذلك دون طمع في حكم أي من الولايات.

ليس هناك ما يؤكد أنه مشارك في حادثة قتل عثمان لكنه كان نصيرا للفقراء وقريبا منهم، ولم يقتص أيضا من قتلة عثمان مما يثير الشكوك حول موقفه الحقيقي من كل ما جرى. انقلاب طلحة والزبير بعد ذلك على علي في موقعة الجمل كان بسبب انه لم يولهما على البصرة والكوفة وولى غيرهما.

فشل علي في مقابل معاوية حسب الجابري كان بسبب أن عليا لم يكن يجمع بين القبيلة والغنيمة والعقيدة فهو من جهة لم يقرب قبيلته وكان يرفض أن يسلب الناس مالهم إثر أي انتصار مما جعل الناس ينفضون من حوله لأنهم لم ينالوا ما كانوا يطمعون فيه من غنائم ومن عطايا.

هل يمكن أن نشاهد مسلسلا ينصف عليا كشخصية تاريخية لا غير كما شاهدنا مسلسلا عن عمر بن الخطاب والذي اجده موضوعيا أكثر؟ وكما شاهدنا مسلسلا أراد قسرا تجميل معاوية وكان سيكون ناجحا لو قدمه بموضوعية فهو في النهاية يحسب له أنه وحد الأمة مهما كانت الطريقة وأنشأ دولة قوية مترامية فكانت بداية نشوء الإسلام كحضارة وثقافة، وهذا ديدن كل الدول وكل الحضارات تاريخيا.

لا أنسى أن أعرج هنا على طه عبد الرحمان وملاحظة مهمة تتفق مع أطروحة الجابري بشأن علي ومعاوية، وهي وضع دين السلطان منذ العهد الأموي حتى النظام السعودي مقابل سلطان الدين منذ عهد علي حتى النظام الإيراني، وكذلك وضعه المتحكمة في مقابل المتظلمة.

لقد حاول طه عبد الرحمان التقريب بين التيارين بإدخال البعد الإنساني الأخلاقي كما يسميه. لكن المشكلة هي: لا عبد الملك بن مروان حين وضع القرآن جانبا وأقر أن شؤون الدنيا غير شؤون الدين ولم يستحضر الدين إلا لخدمة شؤون الدنيا، ولا بنو العباس والفاطميون الذين ادعوا أنهم يريدون إعادة السلطان للدين برئت أيديهم من دماء المسلمين قبل غيرهم.

والمؤسف هو أنه لا الجولاني الذي يتم تجميله وفق معايير العصر من ارتداء البذلة إلى استدخال لغة العصر في سياساته تماشيا مع أطروحة دين السلطان ولا حسن نصر الله الذي يسير على نهج سلطان الدين برئت أيديهما من دماء المسلمين قبل غيرهم.

الخلاصة هنا هي أننا نشهد فشل وهزيمة المشروع الإسلامي الحديث.

يحدث هذا في ظل احداث ذبح غزة والتي من المفروض أن توحد “الأمة الإسلامية”، وإذا كان المفكر دائما سابقا لزمانه فالتاريخ هو مختبر نظريته، فتجربة الشعوب اليوم خاصة في الشرق الاوسط تثبت في نظري صحة وجهة نظر الجابري.

لقد انتهى عصر الكائن الديني لصالح الكائن السياسي فغزة لم تستطع أن توحّد الإسلام السياسي الإخواني الأردوغاني والإسلام السياسي السلفي السعودي والإسلام السياسي الشيعي الايراني. وسوريا بعد ثورة مفترضة عادت الى عصر الطائفية والاقتتال الاهلي.

انتهى مفهوم الأمة الديني في ظل تمزق الشرق الأوسط لحظة الهجمة الاستعمارية الشرسة لينبثق ربما مفهوم الأمة السياسي، لأنه أمل لهذه الشعوب إلا بالحل الوطني كما طرحه مفكرنا الكبير محمد عابد الجابري.