محمد ابن الأزرق الأنجري
يزعم الإخوة الشيعة أن المسح على الخفين أو النعلين أو الجوربين منسوخ بآية الوضوء التي فرضت مسحَ الرجلين مباشرة، ذاكرين أن النبي ص لم يغسل رجليه في الوضوء بعد نزول سورة المائدة، بينما يدّعي الأشقاء الحنفية والمالكية والشافعية أن ملبوس القدمين الذي يجزئ المسح عليه هو ما كان مصنوعا من الجلد أو مجلّدا من تحته بحيث يُمشى عليه.
فهل في القرآن ما ينسخ المسح على لباس القدمين؟
وهل فيه ما يشترط كون الملبوس جلدا أو مجلّدا؟
كنت قد ذكرت في مقال سابق حجة “رفع الحرج والضيق في الوضوء والطهارة هو الأصل” أخذا من قوله سبحانه في آخر آية الوضوء: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وأن الأصل هو رفع الحرج والضيق عن المسلم في وضوئه وطهارته، وأن التيسير هو الأصل، فيكون المسح على الجوربين هو الوسيلة لرفعه في كثير من الأحوال.
وأصرح منها حجة الإطلاق والعموم في قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).
تقرّر في مقال تقدّم أن الذي أوجبه القرآن في الرجلين هو المسح، وأن الغسل مسح وزيادة ثابتة بالسنة النبوية المتوارثة رواية في كتب الحديث والفقه، وعملا في الأمة.
فما وجه دلالة الآية على إجزاء المسح على الجوربين/النقاشير ونحوها؟
المسح على الرجلين المأمور به قرآنا ورد مطلقا عاما بحيث يصدق على ثلاث صور من حيث التركيب اللغوي:
الأولى: المسح على بشرة الرجلين، ولا شك أنها أظهر الصور وأرقاها.
الثانية: المسح على لباس القدمين كالخفين والجوربين…
الثالثة: المسح على لباس القدمين وما ظهر من بشرتهما، فالنعلان قديما لا يستران القدم كله.
وإطلاق مسح القدمين على لباسهما كلام عربي فصيح ورد في روايات عديدة كما سنذكر.
وكلنا يدرك أن الإنسان إذا كان يلبس حذاء أو جوربا… ثم قال: لقد سقط على قدميَّ كذا، أو ضربني فلان على قدمي أو ضربتُ بقدمي شيئا… لا يكون كاذبا أو مخطئا يُعترَض عليه بأنه لا يقول ذلك لغة إلا إن كان حافي الرجلين.
فلما أمر الله بمسح الرجلين إلى الكعبين بإطلاق، ولم يؤكّد على صورة من صور المسح، ولم يشترط أن تكون حافيتين، فقَصرُ الحكم على الرجلين الحافيتين تحكّم وتضييق.
والعجيب أن أهل السنة احتجوا بقراءة الخفض في آية: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم) على مشروعية المسح على الخفين، فهو مسلك في الاستدلال معلوم عندهم، ثم يخرج من بينهم الذين يستثنون الجوربين (التقاشير) وكأن الآية نصّت على مسح الخفين دون سواهما.
قال الإمام الشافعي في “الأم” (7/ 304): قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] فَلَمَّا مَسَحَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى الْخُفَّيْنِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ إنَّمَا هُوَ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّ الْمَسْحَ لِمَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ بِكَمَالِ الطَّهَارَةِ اسْتِدْلَالًا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِأَنَّهُ لَا يَمْسَحُ وَالْفَرْضُ عَلَيْهِ غَسْلُ الْقَدَمِ.
وفي الاستذكار لابن عبد البر المالكي (1/217): تَأَوَّلَ جَمَاعَةٌ مِنَ العلماء قول الله عز وجل (وامسحوا برؤوسكم وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) أَنَّهُ أَرَادَ إِذَا كَانَا فِي الْخُفَّيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وقال ابن العربي المالكي (ت543) في “المحصول” (ص: 96) وَلَو لم تتظافر السّنة فِي الأرجل لحُكم بِمَا اقتضته الْآيَة بِقِرَاءَة الْجَرّ، على أَن بعض عُلَمَائِنَا قَالَ: إِن آيَة الْجَرّ مفيدة حكم الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَقِرَاءَة النصب وَالرَّفْع مفيدة حكم غسل الرجلَيْن، وَهَذِه الْأَوْجه أقوى فِي الدَّلِيل وَأولى فِي التَّأْوِيل. هـ
وفي البيان والتحصيل (1/ 119) لابن رشد ت595: وأما من قرأ: ” وأرجلِكم ” بالخفض ففي قراءته لأهل العلم أربعة أوجه: … والثالث: أن المراد بذلك المسح على الخفين.
وفي كشف الأسرار شرح أصول البزدوي لعلاء الدين البخاري الحنفي (ت730) (3/93-93): وَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ هُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا شَرْعِيَّةَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ بِالْكِتَابِ بِهَذَا الطَّرِيقِ. هـ
هذا ما قاله بعض فقهاء أهل السنة، فكيف يزعم الشيخ السريري أنه لا يوجد في القرآن ولو بطريق الإشارة ما يفيد حكم المسح على الخفّين فضلا عن الجوربين وكأنه لم يقف على ما قالوه وبعضهم مالكية المذهب؟
والعجيب أن هؤلاء الفقهاء الذين استدلوا بعموم الآية وإطلاقها على مشروعية مسح الخفين، منعوا مسح الجوربين بلا حجة ولا برهان معرضين عن شمول عمومها كل لباس للقدمين سواء كان جلدا أو غيره.
والنبي ص مسح على الخفين والنعلين، ورخص في المسح على التساخين بإطلاق، فلا يقال إنه لم ينقل إلينا مسحه على الجوربين، فإنه لم يمنع ذلك فيبقى داخلا تحت عموم آية الوضوء مثله مثل المسح على الخفين والنعلين.
ولدينا من جهة ثانية روايات – تعود للعصر الأول – تفيد أن المسح على لباس القدمين من خف أو نعل أو جورب يطلق عليه المسح على القدمين، إذ تجد بعض الروايات تذكر عن النبي أو بعض أصحابه كالإمام علي مسح القدمين، وعند التحقيق تجد الرواة يقصدون المسح على الخفين أو النعلين.
فعن عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ».
ورد من طرق أخرى هكذا: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِرَأْيٍ كَانَ بَاطِنُ الْقَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا، وَلَكِنْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ ظَاهِرَهُمَا».
وهو حديث شهير، سيأتي تخريجه في مقال مستقل يناقش موقف الشيعة من المسح على الخفين وإنكارهم ذلك عن مولانا علي.
فأنت تلاحظ أن الراوي عبّر مرة بالقدمين على سبيل المجاز ومرة بالخفين على سبيل الحقيقة، ذلك لأن قواعد العربية وأساليبها لا تمانع.
وهناك روايات تفيد أن النبي ص وأصحابه الكبار مسحوا بعد سورة المائدة على ملبوس الرّجلين بمن فيهم الإمام علي بن أبي طالب الذي تزعم الإمامية تقليده وأخذ الدين عنه.
وإذا كان الإمامية ينفون عن مولانا علي مسحَ لباسِ الرجلين أو غسلَهما، فإن ميراثه عليه السلام ليس حكرا على طائفة أو ملكا لها، فلا يجوز لأي جهة أن تزعم صحة رواياتها عنه دون غيرها، علما أنه في مرويات الشيعة ما ينسب للإمام علي المسح على الخفين وما شابه وكذا الغسل في بعض الأحوال.
هل مسح الرسول بعد المائدة؟
لا توجد أي رواية تمنع المسح على الخفين بعد نزول سورة المائدة أو تنفي عنه ذلك، فيبقى إطلاق آية الوضوء وعمومها دليلا على مشروعية المسح على لباس القدمين مهما كان.
ولنا ما يثبت استمراره صلى الله عليه وسلم بعد آية الوضوء على المسح:
روى إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَطْهَرَةِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَتَوَضَّأُ مِنْهَا الْعَامَّةُ، ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا؟ قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ». قَالَ إِبْرَاهِيمُ: «فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ يُعْجِبُ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ» (وصحيح البخاري ح387 وصحيح مسلم ح272، ومسند أبي داود الطيالسي ح703، ومسند الحميدي ح815، ومسند أحمد ح19168 و19201 و19234 و19236 و19237، وسنن الترمذي ح93 وسنن ابن ماجه ح543)
وورد من طرق كثيرة عن عشرة من التابعين – وفيهم من كان شيعي الاتجاه – أَنَّ جَرِير بن عبد الله، «تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ»، قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، قَالَ: مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ. في لفظ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَرَأَيْتُهُ «مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» (مصنف عبد الرزاق الصنعاني (1/195)، ومصنف ابن أبي شيبة (1/161)، ومسند أحمد ح19221، وسنن أبي داود ح154، وسنن الترمذي ح611، والمنتقى لابن الجارود (ص: 32 ح82) وصحيح ابن خزيمة ح187 وشرح مشكل الآثار (6/296و297) 2494، والمعجم الكبير للطبراني ح2282 و2401 و2460 و2490 و2503 و2507 و2512 ، والمعجم الأوسط ح438 و3004 و3617 و4042، والمستدرك على الصحيحين للحاكم (1/275)، وسنن الدارقطني (1/356 و357) والسنن الكبرى للبيهقي (1/411 و412). وصححه من بعض طرقه: الحاكم والذهبي وابن كثير والأعظمي، وحسنه الألباني)
ومن طريق مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَرَّزَ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» (المعجم الكبير للطبراني ح2506 والأوسط ح7143)
فهذا جرير بن عبدالله البجلي رأى رسول الله ص يمسح على الخفين بعد نزول آية الوضوء في المائدة، فإنه قدم على النبي في حجة الوداع حاجا أو مسلما مبايعا، وحجة الوداع تاريخ نزول سورة المائدة.
جاء في الطبقات الكبرى – الرابعة (ص: 818) لابن سعد: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَذْكُرُونَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَإِسْلَامَهُ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى ذِي الْخَلَصَةِ فَهَدَمَهَا، وَوَافَى مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيثَ، وَصَحِبَهُ إِلَى أَنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هـ
وعَنْ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مُنْذُ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْمَائِدَةِ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». (سنن الدارقطني (1/357) ومسند الشاميين للطبراني (2/364))
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ» (المعجم الكبير للطبراني ح11319)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَمْسَحُ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، وَبَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ» (المعجم الأوسط ح5537، وإسناده ضعيف)
وهذه الروايات مؤكَّدة بمسح العشرات من الصحابة وفتواهم بعد وفاة النبي ص بمن فيهم مولانا علي.
وفي الاستذكار (1/217) لابن عبد البر القرطبي: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُونَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَعَمِلَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَسَائِرُ أَهْلِ بَدْرٍ وَأَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْهُمْ فِي التَّمْهِيدِ. هـ
ولا يصحّ الأثر عن ابن عباس في أن النبي ص لم يمسح على الخفين بعد نزول المائدة، وإلا فإنه كان يقول ذلك ثم تراجع كما صرّح علماء السنة.
وهذه الروايات تؤيّدهم:
روى عنه مُوسَى بْنَ سَلَمَةَ وسعيد بن جبير ومُحَمَّد بْن عَمْرِو بْنِ عَطَاء أنه قال في توقيت المسح: ” ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ ” (مصنف عبد الرزاق الصنعاني (1/208)، ومصنف ابن أبي شيبة (1/166)، ومسند الحارث = بغية الباحث ح83 وشرح مشكل الآثار (6/291) وشرح معاني الآثار (1/84 و416)، والأوسط لابن المنذر (1/431) والسنن الكبرى للبيهقي (1/411) وحلية الأولياء لأبي نعيم (4/302). وصحح البيهقي وابن حزم وغيرهما طريق موسى بن سلمة)
وعن عطاء بن أبي رباح: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: ” امْسَحْ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَإِنْ خَرَجْتَ مِنَ الْخَلَاءِ “. (السنن الكبرى للبيهقي (1/411) وتاريخ دمشق لابن عساكر (41/112)
وعن عطاء بن أبي رباح قال: أَنَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا. في رواية «أَنَّهُ مَسَحَ» (مصنف ابن أبي شيبة (1/165 و170) بإسناد صحيح )
وعَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ. (مسند ابن الجعد (ص: 349)
ومجموع هذه الطرق والروايات يقطع بأن مذهب ابن عباس هو المسح على الخفين.
والخلاصة أن آية الوضوء نسخت وجوب غَسل الرّجلين لكنها لم تحظره وتجعله غير مجزئ كما يقول الإخوة الشيعة.
وأما المسح على لباس القدمين، فتدل عليه الآية بعمومها وإطلاقها الذي هو مقتضى الواقعية والرحمة.
يتبع
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13906