
دين بريس ـ سعيد الزياني
يكتنف مستقبل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد غموضٌ يشوبه التعقيد، إذ تتشابك خيوط السياسة والأمن لتشكّل لوحة مضطربة، تُصعّب رسم ملامح واضحة لما هو قادم.
لقد خلّف انهيار النظام فراغا سياسيا وأمنيا واسعا، يحمل معه احتمالات شتى، تبدأ من إمكانية إعادة ترتيب المشهد السياسي وإرساء استقرار نسبي، إلى خطر تصاعد الفوضى واستمرار الصراعات بين الفصائل المتناحرة. وفي هذا السياق، تسعى هيئة تحرير الشام، بقيادة أبو محمد الجولاني، إلى تقديم نفسها كبديل قادر على ملء هذا الفراغ، إلا أن مشروعها السياسي، القائم على رؤية إسلامية محلية، يواجه عقبات شائكة، أبرزها الانقسامات بين الفصائل المسلحة وضغوط القوى الإقليمية والدولية.
وتتمحور الديناميكيات الإقليمية حول أدوار الدول الفاعلة، مثل تركيا وإيران وقطر، إضافة إلى القوى الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا، هذه القوى، التي تحكمها مصالح متشابكة، قد تتسبب في خلق تنافس جديد، أو قد تسهم -ولو على مضض- في بلورة تفاهمات تضع حدا للنزيف السوري المستمر، غير أن المسار الأكثر ترجيحا يعتمد على قدرة هذه الأطراف على ترجمة مصالحها إلى حلول ملموسة تنعكس إيجابا على الأرض.
في هذا السياق، يظهر الجولاني كشخصية براغماتية تسعى لاستغلال التحولات الراهنة لتعزيز موقع “اسلام سياسي” متجدد في المنطقة، متكئا على خبرته في إدارة المشهد السوري المتنوع، محاولا أن يقدم نفسه كلاعب سياسي وعسكري ذي مصداقية، ومع ذلك، يواجه تحديات جمّة في إقناع الداخل والخارج بقدرته على قيادة مرحلة انتقالية مستقرة.
وعلى الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، تبدو التحديات أكبر من قدرة أي طرف منفرد على حلها، فالاقتصاد السوري يعاني انهيارا شاملا، مع تشريد الملايين وفقدان البنية التحتية لمعظم القطاعات الحيوية.
وحسب توقعاتنا، فإن غياب خطة شاملة لإعادة الإعمار والتنمية يزيد من حدة الأزمة الإنسانية، ما يجعل تحقيق الاستقرار على المدى المتوسط هدفا بعيد المنال.
إن استمرار هذا الفراغ السياسي دون تدخل فاعل قد يحول سوريا إلى بؤرة عدم استقرار إقليمي، فظهور جماعات مسلحة جديدة أو عودة تنظيمات كـ”داعش” إلى الساحة، يبقى احتماللا قائما إذا لم يتم التوصل إلى حلول جدية تعيد تشكيل المشهد.
ويبقى مستقبل سوريا مرهونا بمدى القدرة على تحقيق تفاهمات داخلية وإقليمية ودولية تُفضي إلى استقرار طويل الأمد، ويتطلب ذلك بناء نظام سياسي جديد، يعالج الجذور العميقة للأزمة، ويوفر إطارا يضمن للسوريين فرصة استعادة حياتهم الطبيعية، في بلد أنهكته الحرب وتكالبت عليه الأطماع.
إنها مهمة تتطلب رؤية شاملة وإرادة جماعية، ولكنها في ذات الوقت تُركن إلى أمل لا يزال هشا، مثل شجرة في مهب الريح، لكنها تناضل لتثبيت جذورها في أرضها.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22035