مساهمة نظرية في النقاش المجتمعي حول العلمانية

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس3 يناير 2025آخر تحديث : الجمعة 3 يناير 2025 - 5:18 مساءً
مساهمة نظرية في النقاش المجتمعي حول العلمانية

ينشر موقع “دين بريس” هذه المادة العلمية للباحث المغربي هشام تفلاتي، المقيم في كندا، تفاعلا منه مع النقاش الذي أثير مؤخرا حول موضوع العلمانية:

نص المقال:

أردنا أن ندلو بدلونا فيما قاله السيد وزير الأوقاف عن العلمانية ولكن وجدنا أنفسنا أمام عدة مصطلحات ومفاهيم، من قبيل: The secular, secularity, secularism, secularization, laïcité، كل هذه المفردات التي لها معان مختلفة باختلاف الزمان والمكان والسياق والتوازنات الدينية والثقافية والاجتماعية داخل كل بلد، تترجم ل: العلمانية.

هذا دون الكلام عن أنواع العلمانيات الأخرى (المنفتحة، المغلقة، الإقصائية، إلخ) واختلاف نسب تأطيرها للدين والتدين. وقد نتكلم عن:

العلمانية كمنهج إبستيمي epistemic
العلمانية كحركة تغيير لتأطير الأفراد والمؤسسات بدرجات مختلفة
العلمانية كنظام سياسي
العلمانية كاتجاه معادي للدين والتدين
العلمانية كسيرورة اجتماعية لنبذ الخرافة
العلمانية كموقف جديد من اللاهوت لتأطير رجال الدين وتقنين مناهجهم داخل المجتمع.

ودون الغوص في الاختلافات اللغوية والفيلولوجية للعلمانية. “التعلمن” the secular رؤية خاصة وقراءة مختلفة للعالم وللذات… هو فك الارتباط الدائم مع السماء.
التعلمن ليس بالضرورة مضاض أو مناف للدون والتدين، لكنه يسمح ببُعد جديد لفهم العالم دون الاعتماد على الدين أو رجال الدين.
عند كلامنا عن العلمانية فنميز بين ثلاث أبعاد على الأقل. البعد السياسي والبعد الأيديولوجي والبعد الفلسفي.

1- العلمانية السياسية، رغم نجاحها نسبيا في بعض الدول، تكون أقرب إلى العقيدة الدينية للدولة حينما تُنَصب نفسها الحَكم المطلق والوحيد على تدين الشعوب وأخلاقياتها وأعرافها. خصوصا حين يُستهدف الدين في شموليته كأصل جميع الشرور، كما قال دوكينز.

2- العلمانية الأيديولوجية كطابور خامس للعلمانية السياسية حيث ترى أن النضج السياسي والفكري يقتدي التخلي على الدين والتدين والتضييق عليه، ليس فقط داخل مؤسسات الدولة لكن أيضا بالنسبة للمواطنين المتدينين الذين ينظر إلهم كخطر على السلم المجتمعي والديمقراطية.

3- أما البعد الفلسفي للعلمانية فيرى استحالة الفصل الكلي بين الدين والدولة والمجتمع، وفي المقابل يطالب بالتركيز على “إعادة مَوقَعَة الدين” والنضال من أجل التوازن بين الجماعات الدينية والدولة دون ضرر أو ضرار. فتحافظ الدولة على هيبتها وسلطتها في تأطير الدين والتدين، ويحافظ المتدين على حقه الدستوري في حرية ممارسة العقدية داخل الخطوط الحمراء التي يرسمها المشرع.

ما لايفهمه البعض أن الطريق الأمثل لحماية الدين هو العلمانية المنفتحة.

شخصيا لا أحبذ استعمال مصطلح “العلمانية” لحمولته السلبية عند المسلم البسيط وتوظيفه من طرف تجار الدين للحِجْر على تدَيّن متابعيهم والإصرار على واجب الدولة في حماية إسلامهم فقط. يصر السلفي، مثلا، على أن إسلامية الدولة تعني سلفيتها. لهذا إذا سُمح للصوفي أو الأشعري أو الشيعي بحرية التدين، يعتبر هذا هجومَا علمانَيا على الإسلام والتضييق على حرية السلفي (المشرمل) في حقه المشروع للاعتداء على الآخر وتشرميله.

من هو العلماني إذَا؟؟

إن آمنت أن العملية الجراحية أنجع من الدعاء والصلاة لإزالة الورم الخبيث، فأنت علماني.
إن حاولت إعمال العقل لفهم العالم والكون فأنت علماني.
إن أنكرت بعض الفتاوى والقراءات الدينه لمنافاتها للعلم والمنطق والعقل، فأنت علماني.
إن حاولت لَيَّ أعناق النصوص لتتماشي مع اكتشافات العلم العصري، فأنت علماني.

في كتابه، العلمانيات الفرنسية السبع، يتكلم جون بوبيغو عن Laïcité antireligieuse العلمانية المعادية للدين؛ Laïcité gallicane العلمانية الغاليكانية؛ Laïcité séparatiste stricte العلمانية الانفصالية الصارمة؛ Laïcité séparatiste inclusive العلمانية الانفصالية الشاملة؛ Laïcité ouverte العلمانية المنفتحة؛ Laïcité identitaire العلمانية الهوياتية، و Laïcité concordataire العلمانية التوافقية. لكن هذه التقسيمات لا تخرج عن الأبعاد الثلاثة للعلمانية المذكورة أعلاه.

بعض المراجع لهذا التحليل:
“عصر علماني” – تشارلز تايلور
“أنواع العلمانية في عصر علماني” – تشارلز تايلور وخوسيه كاسانوفا
“الكنيسة والشعب: التناقضات في عصر علماني” – خوسيه كاسنوفا
“العلمانية والحرية الدينية في فرنسا: تحليل اجتماعي وتاريخي” – جان بوبرو
“العلمانية والهوية” – أكيل بيلغرامي
“دين بلا إله” – رونالد دوركين
“التحول الأخلاقي بين المجتمع والكنيسة” – جورج ماكلين
“العلمانية كإطار لفهم العالم” – دونالد هارمان أكينسون
“العلمانية والتغيير الاجتماعي” – ستيفن هايوارد
ــــــــــــــ
رابط صفحة الباحث على فيسبوك:

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.