سعيد الكحل
اعتبارا للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أفرزت حكومة عزيز أخنوش، فإن مسؤولياتها الدستورية والأخلاقية والسياسية وحتى التاريخية أكثر جسامة مقارنة مع جميع الحكومات المغربية السابقة منذ الاستقلال بما فيها حكومة التناوب التوافقي التي أنقذت المغرب من “السكتة القلبية”.
ذلك أن الحكومة الحالية جاء في لحظة تاريخية مفصلية لا مجال فيها للتردد أو تكرار الأخطاء التي سقطت فيها الحكومات السالفة، وخاصة حكومة البيجيدي خلال عقد من الزمن . ويمكن إبراز أهم المسؤوليات كالتالي:
1 ــ المسؤولية الدستورية: وتتمثل في تفعيل الدستور وأجرأة نصوصه بعد أن طالها التعطيل والتحريف والتأجيل طيلة ولايتي حكومة البيجيدي وذلك بـ :
أ ــ تشكيل المجالس والهيئات التي ينص عليها الدستور مثل:
ــ هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز وفق ما تنص عليها المادتان 19 و164 من الدستور الجديد مع الأخذ بتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، ومنها استقلالية الهيئة عن الجهاز التنفيذي ، وكذا “إضفاء الطابع الإلزامي على الإجراءات الايجابية الواردة في المادة 6 والمادة 19 والمادة 30 من الدستور (المساواة في ولوج النساء والرجال للوظائف الانتخابية) ومقتضيات الاتفاقيات الدولية وخاصة (المادة 4 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) ؛ فضلا عن “تحديد عقوبات زجرية بحكم القانون متناسبة ورادعة في حالة خرق التشريع المتعلق بالمناصفة ومكافحة أشكال التمييز “.
ــ مجلس الأسرة والطفولة: الذي لم ير النور وفق ما تنص عليه المادة 21 من القانون 78.14 المتعلق بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة .
ــ المجلس الأعلى للأمن الذي ينص عليه الدستور في الفصل 54 كالتالي ( يحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن إستراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة).
ــ المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي الذي نص عليه الدستور في الفصل 170 وعرّفه بأنه (هيئة استشارية في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية. وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين، وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح المواطنة المسؤولة ).
ب ــ ربط المسؤولية بالمحاسبة: وهو مبدأ دستوري ملزم للحكومة عطّلته حكومة البيجيدي الأولى برئاسة بنكيران عبر قرار “عفا الله عما سلف” ، وشدد عليه جلالة الملك في أكثر من مناسبة كالتالي ( وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدإ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب ان يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة) خطاب العرش 2017 .
2 ــ المسؤولية السياسية: وتتمثل في ضرورة الالتزام بالشعار الانتخابي الذي رفعه حزب التجمع الوطني للأحرار خلال الحملة الانتخابية “تستاهل ما أحسن” ، وأهّله لتصدر نتائج الانتخابات . اليوم يقود الحزب الحكومة ، ويملك الآليات الدستورية والسياسية والقانونية لإثبات والبرهنة على كون “الأحرار ببرنامجه وكفاءاته هو البديل المرجوّ”. فالمغاربة عانوا كثيرا من مظالم حكومة البيجيدي التي أفقدتهم مكاسب مادية وحقوقية واجتماعية مهمة ، ويتطلعون اليوم إلى تجربة حكومية يستعيدون خلالها ما فقدوه ويحققون مكاسب إضافية ، وفي مقدمتها تحسين الأوضاع المادية وتجويد الخدمات الاجتماعية في كل التراب الوطني ، فضلا عن التجسيد العملي لدولة الحق والقانون.
3 ــ المسؤولية التاريخية: وهي التي عبر عنها الشعب المغربي بالرفض الواسع لتجربة البيجيدي في تدبير الشأن العام ، سواء على المستوى الحكومي أو الترابي ، والتصويت المكثف للبديل الذي ينتظر منه تجربة مغايرة تستجيب لتطلعاته وتقطع مع كل الأساليب المقيتة التي اعتمدها البيجيدي في تدبير الشأن الحكومي. فالمغرب اليوم يمر بمنعطف تاريخي حاسم : إما يقطع نهائيا مع المشروع السياسي والمجتمعي لتنظيمات الإسلام السياسي ويقبر إستراتيجيتها نحو الحكم والتمكين ويطوي صفحتها نهائيا بشكل سلمي وديمقراطي ، أو تحدث الانتكاسة ، لا قدر الله ، فتكون العودة المتغولة لهذه التنظيمات التي تتربص بتجربة حكومة أخنوش وستتغذى على أخطائها أو تعثراتها .
لا خيار، إذن، أمام الحكومة سوى إنجاح تجربة “الإنقاذ” من مخالب الإسلام السياسي وشِرَاكه وإعادة الثقة إلى مؤسسات الدولة وقواها السياسية . من هنا يتوجّب التحذير من أي انتكاسة أو فشل حكومي ، لأن الأمر لا يتعلق بفشل حزب في قيادة الحكومة ، بل بفشل وطن في ركوب قطار الحداثة والديمقراطية والتنمية، أي بفشل مشروع مجتمعي برمته . لهذا ستكون تجربة حكومة أخنوش ناجحة ونموذجية بالتركيز على المداخل التالية :
أ ــ التفعيل الصارم لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
ب ــ مراعاة الكفاءة والمردودية في إسناد المهام والمناصب والمسؤوليات السياسية والإدارية.
ج ــ استرداد الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين أيا كانت مراكزهم عبر تفعيل قانون “من أين لك هذا”. فالمواطنون متذمرون من الفساد الذي ينخر الإدارة والقضاء وعجز القانون عن ملاحقة كبار الفاسدين.
د ــ العدالة الضريبية بإعادة فرض الضرائب على الفلاحين الكبار والمتوسطين الذين يستفيدون من دعم الدولة دون المساهمة في خزينتها . إذ من الظلم الاجتماعي أن يؤدي المتقاعد الضريبة على الدخل لمرتين بينما يُعفى كبار الفلاحين من الضريبة وهم الذين يراكمون ثروات طائلة . فقبل اللجوء إلى فرض ضرائب إضافية على الأجهزة الإلكترونية (حواسيب ، هواتف ، مكيفات ..) والتي سيدفعها المواطن العادي الذي ينتظر تحسين دخله ، كان حريا بالحكومة فرض الضرائب على الفلاحين وإجبار المقاولات والشركات الكبرى على أداء الضرائب.
فمن الغبن أن تكون 73 في المائة من الضريبة على الدخل تتأتى من الضريبة على الأجر الخاص بالأجراء ، فيما المقاولات والشركات الكبرى تستفيد من التحفيزات الضريبية التي تكلف خزينة الدولة 30 مليار درهم سنويا حسب وزير الاقتصاد والمالية السابق خلال المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات (ماي 2019) .
هـ ــ فرض الضريبة على الثروة: خصوصا وأن تعميم الحماية الاجتماعية وتجويد الخدمات ودعم الفئات الهشة تتطلب تنمية موارد الدولة بما لا يثقل كاهل المواطنين والطبقة الوسطى بالضرائب . فحسب تقرير لمكتب (أوكسفام ) بالمغرب سنة 2019 ، بلغ مجموع ثروة أغنى ثلاثة من أصحاب المليارات بالمغرب سنة 2018 حوالي 4 مليارات و500 مليون دولار.
Source : https://dinpresse.net/?p=15790