مولاي إسماعيل العلوي
ما أجمل المسؤول المغربي عندنا حين استعراض بعض “المنجزات”، تراه عروسا في كامل زينته، وعارضا للأزياء في كامل أناقته، راسما على وجهه أجمل ابتساماته، والحضور يحوم حوله ملتصقا ومتملقا ومصفقا، وكأنه عروس في “عماريته”، كل يتغزل بطلته وقامته وأناقته، بل بجمال ربطته وحسن أخلاقه وتواضعه، فياله من عرس بهيج ذلك التدشين، وتلك الزفة الرسمية بحضور اساطيل السيارات الفاخرة النادرة، وما أروعه من موكب يشد الانفاس، ومشهد يشعر بالرهبة ويرسخ الهيبة، ويثير الإحساس، فهكذا لعمري يتم فرض الاحترام أمام العالم أجمع وبين جموع الناس، ولكي تكتمل الصورة يطرب “العريس” بطقطقات ما ازدحم أمامه من عدسات، وبرق الومضات يخطف النظرات…هكذا يظهر مسؤولونا في أبهى حلة زمن الاستعراض، ينشرون الفرحة والسرور ـ والكاميرا شاعلة ـ أينما حلوا وارتحلوا، و”يمثلون” رجال الدولة وهيبة المسؤولية أحسن تمثيل، ويقدمون التصريحات امام غابة من الميكروفونات، ويلقون امام الملأ اجود ما دبج من كلمات وأروع الخطابات..
ولكن بعد هذا السفور المتبرج والظهور الفاحش، يلتزم مسؤولونا “الحجاب” خصوصا عند “ظهور” بعض المشاكل اوالمصائب او حالات الطوارئ، إذا يختفى كل المسؤولين على كل المستويات، ويتحلون جميعا بخلق الخجل وفضيلة الحياء، فحسب التقاليد العريقة لديهم حساسية مفرطة من القرارات الكارثية وما اقترفوه من أخطاء، فبأي وجه سيقابلون المواطنين، فليس من اللياقة واللباقة مواجهة المتضررين، ومن الحكمة دوما ترك المسألة “حتى تبرد” ولو بعد حين، فمن الحمق عندهم ضرب الحديد وهو سخون، فتلك مجرد شعبوية، والسرعة في اتخاذ القرار تهور وصبيانية، فلابد من الثقالة والرزانة والختورية، فهذه هي هويتنا وخصوصية المسؤولية المغربية !!
جاءت كورونا لبلدنا المضياف وأعلنت حالة الطوارئ، وكانت فرصة سانحة لبروز عباقرة الحكومة والاذكياء، وتوارى إلى الظل كل من يعاني من بلادة فطرية ومعشر الأغبياء، لن نعود كثيرا إلى الوراء، ويكفينا فقط ما تم إعلانه من تصنيف كوكب الأرض إلى قائمتين من ألف وباء، إذ تفتق ذهن العباقرة لدينا على التحكم في زر (فتح وغلق) الأجواء، ومن فرط الذكاء تم غلق الحدود امام الدول الآمنة في القائمة الخضراء، وتم حشرها عنوة في اللائحة باء، وترسيخا للاستثناء المغربي تم فتح الأجواء لكل الدول الاروبية الخطيرة الحمراء! فهكذا قرر العباقرة الخبراء للتحكم في الجائحة وحالة الاستثناء!!
خرج المتضررون عن بكرة ابيهم يصرخون ويشتكون ويحتجون، وبلغت أصواتهم عنان السماء، ولم يجدوا امامهم أي “مسؤول حقيقي” يخاطبهم و”يعَبّرهم”، بل اختفى كل المسؤولين والتزموا الحجاب، ولا يحدثون الناس إلا من وراء حجاب! ولم يحترموا حتى ما أعلنوه في البلاغ الشهير من عملية التحيين مرتين في الشهر على الأقل، اختفى الجميع في ظروف غامضة، وأصبحوا يخاطبوننا عبر “مرسوليهم” في الافتراضيين على منصات التواصل الاجتماعي، وفجأة وجدنا أنفسنا بعدما دخل المسؤولون فترة السبات و”الغيبة الصغرى” عجل الله بفرجهم، أمام “ناطقين رسميين” باسم “مصادر موثوقة” رفضت الكشف عن وجهها البهي واسمها السامي، فلا يجوز شرعا كشف الوجه الفاتن في “زمن الفتنة” أو التلفظ باسم المسؤول لأنه في فترة “حجاب” إلى ان تنتهى الكارثة التي خلفها! فهكذا وحسب التقاليد العريقة والاعراف الجديدة في حالة الاستثناء المغربي، سيترقب جمهور المهتمين والمتضررين “مرسولا” ما من “المسؤول الغائب/المحتجب” في أي منصة من منصات التواصل، حيث سيكشف هذا عن قرار وشيك جدا، وستبشر أخرى ببشرى “من قاع الخابية”، وسيعلن يوتوبر ان الملف فوق طاولة اعلى سلطة في البلاد، كما سينشر الحاج حكيم مقطعا صوتيا تحذيريا للأمة بعد لقاء مع جينرال من المستشفى العسكري! فانتشر المقطع المجهول انتشار النار في الهشيم وتقبلته الأمة بالبلبلة والاحضان، وساهمت في نشره في غياب تام للمسؤولين في “غيبتهم الصغرى” عجل الله بفرجهم جميعا!
هكذا فجأة التزم صناع القرار لدينا “الحجاب” خوفا وخجلا وحياء، واصبح السفور والظهور امام الجمهور حراما، وأضحى كشف أصواتهم علنا “عورة”! واصبح التواصل فقط من وراء حجاب، واضحى بيننا وبينهم “حُجّاب” يتفضلون علينا مرة مرة بمعلومة من “قاع الخابية” تم انتزاعها في لقاء “مخبي” مع مسؤول مُحتجب في مخبئه السري، او عبر دردشة خاصة جدا! وكثر “الناطقون الرسميون” باسم المسؤولين المستحيين، الذين احيوا بيننا سنة الأنبياء، فقد اصبحوا اشد حياء من العذراء في خدرها، فلا تحس لاحد منهم حسا أبدا، او تسمع لهم ركزا..
فمتى يخلع مسؤولونا عنهم الحجاب، ويرفع الستارمجددا فنسعد بطلتهم البهية فتنتشر البهجة بيننا والسرور، بعد كل هذه الالام التي خلفتها “غيبتهم الصغرى”؟! فلسان حال الناس يقول: “توحشناكم، غير بانو بلا حجاب، حنا ماشي أجانب او اغراب، يعني ممكن نشوفو الزين، ولا حياء في الدين!!
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15051