بوشعيب شكير
السرطان مرض له أعباء كثيرة على الأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم ويسبب معاناة بشرية كبيرة من وجهة نظر اقتصاديات الصحة. إنه سبب رئيسي للوفاة في جميع دول العالم، منها أكثر من 70٪ تحدث في البلدان المنخفضة أو المتوسطة الدخل حسب منظمة الصحة العالمية. وهذا المرض مسؤول عن إزهاق أرواح 10 ملايين شخص في عام 2020 ، أي حوالي 14٪ من الوفيات العالمية. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 16.4 مليون وفاة في عام 2040 على مستوى المعمور.
في المغرب، يعد هذا المرض حاليا أحد أكبر مشاكل الصحة العمومية بالرغم من كل المجهودات التي بذلتها الدولة في السنوات الأخيرة، حيث لاتزال نسبة الوفيات الناتجة عن السرطان مرتفعة ويعتبر السبب الرئيسي الثاني للوفاة بعد أمراض القلب والأوعية الدموية حيث يصل عدد الوفيات إلى 30 ألف حالة وفاة سنويا.
ولمكافحة هذا المرض الفتاك وضعت وزارة الصحة بشراكة مع مؤسسة للاسلمى للوقاية وعلاج السرطان المخطط الوطني للوقاية ومراقبة السرطان 2010- 019 و 2020- 2029 وذلك بهدف تقليص الإصابات والوفيات المترتبة عن هذا الداء.
إلا أنه بالرغم من جودة هذه المخططات والإجراءات التي تضمنتها سواء على مستوى الوقاية والكشف المبكر والتكفل والعلاجات التلطيفية فلا يمكن في نظرنا أن تحقق الغايات المرجوة منها والفعالية المنشودة إذا ما لم يتم الاشتغال على العوامل والمحددات الاجتماعية (social déterminants of health) كالهشاشة والفقر ومستوى الدخل وظروف السكن ومستوى التعليم وجودة التغذية وتسهيل الولوج إلى الخدمات الصحية وغيرها من مناحي البيئة الاجتماعية التي تؤثر على المجموعات الاجتماعية الهشة.
كما لا يمكننا الحديث عن المحددات الاجتماعية للصحة دون التطرق إلى إشكالية العدالة الاجتماعية؛ فالمحددات الاجتماعية للصحة ترتبط ارتباطا وثيقا بقضيتين أساسيتين هما العدالة الاجتماعية والعدالة الصحية. وفي هذا الصدد يقول نورمان دانييلز Norman Daniels الفيلسوف الأمريكي وأستاذ الأخلاق البيولوجية وصحة السكان بجامعة هارفارد في كتابه” الصحة العادلة Just health ˝علينا أن نؤثر على المحددات الاجتماعية في أفق تحقيق العدالة الاجتماعية للحد من الفوارق الاجتماعية للصحة˝.
إن تعزيز العدالة تعني تخطي التركيز على الأسـباب المباشـرة للمرض إلى التركيز على أسباب الأسباب “the causes of the causes” وهي التركيبات الأساسية للتدرج الاجتماعي والظروف المحددة اجتماعياً التي تخلقها هذه التركيبات التي ينمو فيها النـاس ويعيـشون ويعملـون ويبلغون الكبر.
إن الوعي بضرورة العمل على المحددات الاجتماعية للصحة أصبح يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى على صانعي القرار ببلادنا خصوصا أن العديد من الدراسات العلمية بينت أن الرعاية الصحية وحدها وكذا الحلول التقنية داخل القطاع الصحي رغم أهميتها تبقى قاصرة و غير كافية. فأوجه عدم المساواة والتفاوتات ببلادنا فيما يتعلق بالصحة كبيرة وهائلة ولا يمكن التقليص والحد منها إلا من خلال إدماج البعد الإجتماعي والصحي ضمن الأبعاد الأخرى في كل المخططات والبرامج والسياسات العمومية الوطنية والجهوية، وذلك لتحسين الأوضاع الصحية للمغاربة وتوفير فرص أكبر للحصول على الصحة الجيدة و العادلة.
Source : https://dinpresse.net/?p=14209