ماهر فرغلي
النموذج السوري في الوصول إلى السلطة عبر العمل الثوري المسلح، ثم حصوله على قبول دولي وإقليمي، حتى لو كان براغماتيا ومرحليا، أدى إلى ثورة داخل كل تنظيمات الحركات الإسلاموية، وهناك من هذه الحركات من يريد تطبيق النموذج كما هو، ومنها أيضا من بدأ في إجراء مراجعات ليست فكرية، لكنها حركية في المقام الأول، ومنها الجماعة الإسلامية (مصر)، التي كانت سباقة في إجراء مراجعات فكرية من قبل، والآن وعبر مركز (حريات)، الذي يترأسه طارق الزمر، تحري مراجعات حركية، عبر ندوات أعدت لهذا الغرض، وجاءت تحت عنوان: “بين البراغماتية والمبدئية.. تحديات التكيّف وفق فقه الضرورة دون الذوبان”، ويمكن من خلال الاطلاع عليها إدراك ما يمكن من تحولات يمكن أن تصيب كل الجماعات في المنطقة على المجمل، رغم اختلاف الظروف والواقع.
نلقي نظرة على مراجعات الجماعة قبل استعراض المراجعة الأخيرة:
المراجعة الأولى، انطلقت عام 1997، وتم تعزيز وجودها في عام 2001، والتي جاءت تحت عنوان تصحيح المفاهيم، وقد اختزلت في تخطيء الماضي دون رؤية واضحة للمستقبل، وفي الدوران في سياق الظروف التاريخية ومراجعاتها، والقضايا التصحيحية لأفراد الجماعة، ونتج عنها مجموعة من الكتب، منها: (الأدلة الشرعية لمبادرة وقف الأعمال القتالية)، (النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين)، (حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين)، (تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء).
عقب 25 يناير وما جرى بها، انحازت الجماعة للإخوان بشكل كامل لما وصلت للحكم، وحين تم عزلها منه، انخرطت معها في مواجهة السلطة الجديدة، ويمكن بكل وضوح أن نقول إن هذا التحالف مع الإخوان كان سياسيا فقط ولم يكن مسلحا، إذ إنها التزمت بما أعلنت عنه في مبادرة وقف العنف في التسعينات، لذا فقد جرى بها انقسام كبير أدى إلى خروج كرم زهدي، وناجح إبراهيم وفؤاد الدواليبي… الخ منها، حيث كانت الاشكالية هي أن هناك من أكد على فلسفة المبادرة الاستراتيجية الحاكمة ودورها المستدام المستقبلي المنضبط أداءً وخطابًا في سياقه الدعوى والفكرى والاجتماعي، مع إلزام الجماعة منهجيًا بعلاقة استراتيجية تكاملية مع الدولة ومؤسساتها ومع الحكام، وهناك فريق آخر رفض إجراء أي تطوير منهجي وفكري لقضية “الحاكمية”، حيث رأى أن السلطة ستظل هي مناط التغيير الحقيقي.
ويمكن أن يوضح الجدول المرفق مع المقال مدى التحول في أفكار الجماعة خلال هذه الفترة.
المراجعة الثانية: وهي مراجعات حركية وليست فكرية، وقد جاءت عقب عزل الإخوان من السلطة، وصاغها عاصم عبد الماجد الذي جعل الأمة قبل الجماعة، وأراد حل كل التنظيمات أو على الأقل بقاء التنظيمات دون أن تكون أمام الجماهير بل في الخلف، أي أنه قلب الأولويات، فبدلاً من أن يكون التنظيم هو الأولى، جعل الأمة هي الأهم، التي ستتحرك بفعل دعوة الجماعات، ليقفز عليها التنظيم فيما بعد، والحكاية ببساطة أنه قلب المعادلة، في تقلبات تكتيكية بفعل الظروف السياسية المحيطة، دون تغير في الأيديولوجية البناءة داخل التنظيمات الحالية.
وخطة عبد الماجد هي كالتالي: مصارحة الأمة بأنها هي لا الجماعات المطالبة بتحمل العبء، ومهمة الجماعات هي إخراج قيادة شرعية تحدد للأمة طريقها، وكتمان فكرة الخروج على الحاكم، ما داموا لا يستطيعون القيام بها، حتى تنجح ثورة الأمة، فتظهر القيادة الحركية، ونخبة الجماعات لتسيطر على مقدرات الأمور.
المراجعة الثالثة والأخيرة لطارق الزمر ومركز حريات: وهي مراجعات حركية، وجاءت في النقاط التالية: أولاً: تبني قضايا تهم الشباب المعاصر، مثل العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وحماية البيئة، من أجل بناء شبكة عالمية للشباب. ثانيا: تعزيز الشفافية والمساءلة داخل الحركات الإسلامية. ثالثا: إشراك الشباب في صنع القرار، وتبنى الحركات هيكلا تنظيميا مرنا. رابعا: قبول التعددية داخل الهياكل والمؤسسات التابعة للحركات الإسلامية. خامسا: يجب على الحركات الإسلامية تعزيز دور المرأة والشباب في القيادة. سادسا: يجب التوازن بين النشاط السياسي والعمل المجتمعي. سابعا: الانخراط في العمل الاجتماعي. ثامنا: الابتعاد عن العنف من أجل الانفتاح على المجتمعات الإسلامية والحضارات العالمية. تاسعا: تنظيم فعاليات وأنشطة تجمع بين الترفيه والتعليم لتعزيز ارتباط الشباب بالحركة. عاشرا: تطوير خطاب فكري يواكب التحولات الاجتماعية والسياسية. الحادي عشر: الاستفادة من الفضاء الرقمي والتكنولوجيا. الثاني عشر: بناء جسور التعاون مع مؤسسات وشخصيات وطنية وإقليمية ودولية. الثالث عشر: عدم فتح كل الجبهات دفعة واحدة. الرابع عشر: الإنصاف والموضوعية في تقييم التجارب السابقة، وخاصة تجاربنا في الحكم. الخامس عشر: الشرعية الانتخابية وحدها لا تكفي، فالحكم يحتاج إلى شرعية الإنجاز، وتأسيس تحالفات داخلية، ومهارة قراءة الواقع الدولي. السادس عشر: عدم الوقوع في فخ الذوبان باسم البراغماتية، ولا في فخ الجمود باسم المبدئية، المطلوب عقل سياسي شرعي، يوازن بين الممكن والمطلوب، ويعيد تعريف الصلابة على أنها وضوح في الهدف لا تشنّج في الأداء، فالذي يدير المرحلة بالعقل والرؤية، هو من يبني الدولة، ويحفظ العقيدة، ويصوغ التاريخ.