عمرو عبد المنعم
عندما ظهر كتاب “سراديب الشيطان: صفحات من التاريخ الإخوان المسلمين” (التاريخ السري للمعتقل) عام 1987، وكان الجزء الثاني لكتابه “البوابة السوداء: التاريخ السري للمعتقل” للأستاذ أحمد رائف، كان به حوار لطيف مع الشيخ عبد الله السماوي في سجن المزرعة في ستينيات القرن الماضي.
نبدأ بنبذة عن الشيخ عبد الله السماوي، فقد اعتُقل أيام العصر الناصري، وأسّس مجموعة جهادية أطلقت على نفسها “السماوية” في أوائل الثمانينيات، وهو الذي دعا خالد الإسلامبولي للجماعات الإسلامية. وكان يأخذ البيعة لشخصه، حتى إن مجموعات الجهاد كانت تتندر على مجموعات السماوية بقولها: “بايع بايع عبد الله تخش السجن إن شاء الله”.
عند ظهور الكتاب، كان السماوي قد أُفرج عنه توا من السجن من قضية حرائق الفيديوهات الشهيرة عام 1986، ودعته الجماعة الإسلامية في عين شمس لإلقاء محاضرة في مسجد الأنوار المحمدية، ولا أتذكر سبب المحاضرة تقريبا في ذكري لإعدام الإسلابولي، معقل تنظيم الجهاد في حي عين شمس، حيث أسسه نبيل المغربي، ثم أصبح معقل الجماعة الإسلامية بعد ذلك.
بخصوص دعوة الشيخ السماوي، فقد لبّى الشيخ الدعوة رغم تخوف مجموعة السماوي في عين شمس من عدم احترام الشيخ أو القبض عليه قبل أو بعد خروجه من مسجد الجماعة في صعب صالح، فأعدت للقاء بطريقة ساذجة لم تستطع حمايته.
يومها أحضرت الكتاب للشيخ عبد الله السماوي وقلت له: “الأستاذ أحمد رائف يقول إنك كنت من أتباع شكري مصطفى وكنت من التكفير والهجرة، وصنع معك حوار ا هادئ ا مهم ا في الكتاب يجب أن تطلع عليه”. استمع الشيخ السماوي إليّ، وحدَث ما كان متوقع ا من الجماعة الإسلامية؛ فقد أخر القيادي حسن الغرباوي، أمير الجماعة الإسلامية بعين شمس، تقديم الشيخ وقدم عليه صغار قادة الجماعة الإسلامية، مما شعر الشيخ السماوي بالإهانة الشديدة، فعتبهم على الملأ.
في نهاية المحاضرة، خرج الشيخ من المسجد وتم القبض عليه وسط جموع الجماعة الإسلامية من أمام مسجد الأنوار المحمدية ولم تتحرك الجماعة لأنقاذه. يومها تندرت مجموعات الجهاد في عين شمس وقارنت هذا الموقف بيوم مجيء د. عمر عبد الرحمن إلى مسجد الأنوار، وكيف حمته الجماعة وشبابها وقامت بعمل عملية تمويه علي مجموعات المراقبة من امن الدولة له من مدخل الفيوم حتى اطراف عين شمس، وقاد هذه العملية بنجاح شديد الأخ حمدان ثابت والشيخ بهيج محمد علي، حكي الشيخ السماوي هذه التفاصيل في مقالات بجريدة النور التابعة لحمزة دعبس بعنوان ” أمراض الجماعات والدعوة لعلاجها ” ونظمها في شعر اذكر منه هذا البيت
هذا أَخي الذي أَوَيْتُهُ
وَنَصَرْتُهُ شَهْر ا في مَنْزِلِي
وَلَا أَمْتِنُ، وَلَكِنِ اشْتَكِي
أَنِّي أُكَافِئُ بِالْأَخْسِّ الأَنْزَلِي
فَقَدْ كَانَ السَّمَاوِيُّ بِحَقٍّ بَلِيغ ا وَشَاعِر ا فَصِيح ا يَمْلِكُ نَاصِيَةَ اللُّغَةِ، كَمَا كَانَ شَكْرِيّ مُصْطَفَى كَذَلِكَ.
القبض على السماوي:
المهم أن السماوي يومها قُبض عليه لأنه لم يُبلغ تحركاته لأمن الدولة، بعد أن أكدت إدارة أمن الدولة أنه لا يحضر أي محاضرات إلا بعد إبلاغهم بعد الإفراج عنه في قضية حرائق الفيديو. ورجع مرة أخرى لسجن الاستقبال بطرة، ومكث حينها ما يقرب من ثمانية أشهر اعتقال. وبعد الإفراج عنه، حضر في نفس اليوم إلى مسجد الرحمن بعين شمس، معقل تنظيم الجهاد بشارع الزهراء، وذكّرته بكتاب أحمد رائف فقال لي: “حدد موعدا معه ونذهب سويا لمناقشته في الكتاب كنت شاب صغير اتردد علي الأستاذ أحمد رائف في مكتبته واشتري معظم كتب الإخوان وكانت المستشار الثقافي له صافناز كاظم قبل ان تقلب عليه الطاولة.
اللقاء مع أحمد رائف:
وبالفعل، حددت له موعدا مع الأستاذ الراحل أحمد رائف، الذي استقبلنا في دار الزهراء للإعلام العربي في حي رابعة العدوية بمدينة نصر، قريب من مسجد رابعة العدوية صاحب الملحمة التاريخية الإخوانية الشهيرة. كنت أتوقع أن ينكر الشيخ عبد الله السماوي ما ذُكر في كتاب الأستاذ أحمد رائف “سرايب الشيطان” عن انتشار فكر شكري مصطفى التكفير والهجرة، وعدم العز بالجهل وصور التعذيب التي جعلت البعض من الإخوان يتجهون إلى فكرة التكفير في سجون عبد الناصر.
المفاجأة:
المفاجأة بالنسبة لي كانت إقرار الشيخ السماوي للراحل أحمد رائف أمامي بواقعة شكري مصطفى وعلي إسماعيل، الأب الروحي لمجموعات الجهاد، وكيف تاب الشيخ على اسماعيل علي يد الهضيبي في مسجد سجن المزرعة العمومي. بالمناسبة، الشيخ علي إسماعيل هو شقيق عبد الفتاح إسماعيل الذي أُعدم في قضية سيد قطب وكان شيخا ازهريا من محافظة دمياط قرية كفر البطيخ، وهو بالمناسبة أيضا، ولعلي لا أذيع سرا، أن ابنته الكبرى هي زوجة أستاذنا وشيخنا العلامة علي جمعة حفظه الله. وصورة الشيخ علي جمعة المتداولة الآن مختلفة تماما عن فترة السبعينيات، ولنا وقفات مع العلامة في دارسة بعنوان “علي جمعة المفتري عليه والمفتري علينا” قيد النشر، وهو أول من تصدى لفكرة مواجهة العز بالجهل في حي شبرا الخيمة وهو يعرف تيار الجهاد بعمق شديد.
في معرض ردنا على د. محمود حسين والبودكاست الأخير بعنوان “الإخوان والتغيرات في مصر والمنطقة، بودكاست الطريق مع أ. د. محمود حسين القائم بأعمال مرشد عام الإخوان”، أقول”
أولا: إن الإخوان لم يتصدوا أبدا لفكرة التكفير، رغم أنهم أول من تجرعوا هذه الفكرة في السجون والمعتقلات الناصرية. حدثت قصة غير مشهورة وتعتبر من أولى محاولات المراجعات الفكرية التي قام بها العلامة شيخنا الجليل حسن الشافعي، وكتب عنها في مذكراته بعنوان “الهدف والوسيلة”، وأن صدور كتاب “دعاة لا قضاة” فقط كان للحد من هذه الظاهرة لصالح التنظيم وليس لصالح المجتمع والناس.
ثانيا: عندما انتشر فكر التكفير والهجرة اول من تجرع هذا الفكر هو الجماعة في السجون وقد وردت فكرة تكفير الشويشية والأهالي وعدم صلاة الجمعة والجماعات وفتنة العزر بالجهل وعدم اكل اللحوم واختبار الاباء والزوجات بالكفر بالطاغوت في فكر الجماعة كان في سجن الواحات كما ورد تفصيلا في كتاب “الإخوان المسلمون: تنظيم 1695: الصحوة والزلزال” لمحمد الصروي (طباعة دار التوزيع والنشر الإسلامية في السبعينيات).
ثالثا: كانت الجماعة تملك ما يقرب من 40% من دور النشر الإسلامية في مصر والعالم العربي، بل وقياداتها كانت في وزارة الأوقاف. لم يُنشر كتاب واحد في الرد المباشر على شكري ولا فتنة التكفير القطبية، وكان الهدف الانتقام من الدولة الناصرية والساداتية والتعذيب في السجون، رغم أن الأمر وصل لأسر الإخوان فقد بايعت شقيقة قيادي كبير في الجماعة بالإسكندرية شكري وهربت إلى صحراء اسيوط، وقامت مجموعة من الإسكندرية بالرد على مجموعة شكري وتم اختطاف أميرها أسبوع في شقة بأسيوط، وقامت بتعذيبه مثل أمن الدولة حتى تم استرداد السيدة مرة أخرى.
لم يعرف أي تيار تصدى لجماعات التكفير سوى مجموعة جهاد الجيزة، الطلبية هرم القيادي الجهادي حسن محمد أحمد الهلاوي في المناظرة الشهيرة والمناظرة سجلها التلفزيون المصري واختفت ربما في قطر!، وكان رد كتبة شكري الخضراء بمحاولة اغتياله هو وشقيقته وأخيه خالد، بجانب ثاني من تصدي للتكفير شكري والقطبية دروس العلامة علي جمعة في شبرا الخيمة وأخيرا كتاب الراحل الشهيد د. محمد حسين الذهبي الذي دفع حياته ثمنا له.
خاتمة
الإخوان لا يحبون التاريخ ولا يقرءون التاريخ إلا بما يفيد توجهاتهم وتصوراتهم وقصصهم البطولية السرمدية المظلومية وفقط.
ومازلنا في سلسلة “خفايا العنف ومآلاته”: كيف جنت عمليات العنف على شباب الحركات الإسلامية والتيارات المتدينة في المجتمع المصري.
ملاحظة: الصورة للكاتب، ومصدر المقالة، نقلا عن صفحته في فيسبوك: https://www.facebook.com/AmrMedia