سعيد الكحل
لعبت جائحة كرونا دورا مهما في تصحيح العلاقة بين الدولة والمواطنين واسترجاع الثقة في مؤسساتها . كان التشكيك مهيمنا على فئات واسعة من المواطنين إزاء خطوات الدولة في مواجهة الوباء أول الأمر بسبب الأخبار الزائفة التي روجتها جهات عديدة داخل المغرب وعلى امتداد عواصم العالم حول مصدر الجائحة والأغراض من انتشارها. طبعا الاتهام كان موجها للصين وأمريكا وفرنسا بكونها مصدر صناعة الفيروس ونشره.
لكن حزم الدولة في مواجهة الوباء عبر تشديد إجراءات الحجر الصحي والتضحية بالاقتصاد من أجل حماية أرواح المواطنين أعاد الاعتبار للدولة ولمؤسساتها ، خاصة الأمنية والصحية ، حيث تنازل المواطنون طوعا عن كل حرياتهم وحقوقهم لفائدة الدولة تيسيرا لمهام أجهزتها في حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم (استتباب الأمن ومنع شيوع حالة الهلع من ندرة المواد الغذائية ..)
كانت الدولة موضوع اتهامات بكونها تضع على رأس أولوياتها الاقتصاد ومصالح الرأسمال ، فيما تتذيل مصالح المواطنين اللائحة. وجاءت الجائحة لتصحح الوضع المختل والعلاقة غير السوية بين الدولة والمواطنين الذين باتوا يطمئنون لقراراتها والإجراءات التي اتخذت في مواجهة الجائحة. ذلك أن الإقبال الكبير للمواطنين على مراكز التلقيح وفق الجدولة الزمنية التي تضعها وزارة الصحة يؤكد تغلبهم على الشكوك وكذا استرجاع ثقتهم في الدولة وفي اللجنة الطبية التي حافظت على استقلاليتها دون أن تتأثر بالقرارات الارتجالية أو تلك التي كانت دوافعها سياسية من طرف الحكومات الأوربية.
إن تعزيز هذه الثقة في مؤسسات الدولة وتكريس المصالحة بينها وبين المواطنين ليس أمرا هينا، بل يحتاج تضافر الجهود من طرف كل المتدخلين. ذلك أن الثقة في الدولة ومؤسساتها تُبنى على أساس الخدمات المادية والمعنوية التي تقدمها للمواطنين في مختلف المجالات وليس فقط المجال المتعلق بالتصدي لجائحة كورونا .ولعل المدخل الأساس لتعزيز الثقة في الدولة هو ربط المسؤولية بالمحاسبة، لأن تعطيل هذا الربط يُشعر المواطنين بالغياب التام للدولة وتخليها عن مسؤولياتها التي على رأسها تطبيق الدستور الذي ينص على هذا الربط .
ذلك أن الإفلات من العقاب، سواء في جرائم نهب المال العام أو السطو على حقوق الغير بأحكام قضائية جائرة، أو شراء الذمم ، أو الشطط في استعمال السلطة،أو التقصير والإهمال في أداء المهام الوظيفية والواجب المهني يمس مباشرة بمصداقية الدولة وبالمؤسسات الدستورية ؛ خصوصا حين تضيع حقوق فئات من المواطنين انتظرت الإنصاف والعدل ؛ الأمر الذين يفقدهم الثقة في القضاء ويُقنعهم بأن الحكومة فاقدة الحزم والعزم على تفعيل الدستور وتطبيق القانون بكل صرامة ضد الفاسدين والمرتشين. وكان لقرار “عفا الله عما سلف” الذي أصدره رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران تأثير سلبي مباشر أجهز على ما تبقى من مصداقية للدولة ومؤسساتها ؛ مما ولّد الانطباع عند عموم المواطنين بكون الدولة غير جادة في محاربة المفسدين ، بل تحميهم . إذ لا تعوز المواطنين الأمثلة والحالات التي اغتنت من الارتشاء والفساد دون أن يطالها القانون.
تجدر الإشارة إلى أن الطريقة النموذجية التي نهجتها الدولة في توفير اللقاح والتنظيم المحكم لعملية التلقيح بكل مرونة وسلاسة تفنّد كل الشكوك في قدرة الدولة على تدارك الاختلالات . فالطواقم الطبية التي تشرف على عملية التلقيح وتنجزها بكفاءة عالية لم يتذمر منها أي مواطن ، بل جميعهم عبروا عن ارتياحهم لسلاسة العملية ودقة تنظيمها ، هي نفس الطواقم العاملة في المستشفيات والمستوصفات الصحية على امتداد التراب الوطني.
إنهم أطر وزارة الصحة ولم يتم استقدامهم من دول أجنبية .الأمر الذي يسائل وزارة الصحة وكل القطاعات الحكومية عن الأسباب الحقيقية في تعثر وتردي الخدمات في مختلف المجالات . فالتنظيم المحكم لعملية التلقيح يؤكد للدولة وللمواطنين أن مشكل تردي الخدمات ليس في الإنسان/الموظف/ الإطار، بقدر ما هو في إرادة الحكومة/الدولة التي حين تضعف أو تتراخى تسود الرداءة والفوضى . وهذا الذي يواجهه المواطنون من تماطل وفساد ونهب المال العام وإضاعة الحقوق واحتلال الملك العام الذي بات يعطي الانطباع بغياب الدولة نفسها.
لقد لمس المواطنون حزم وجدية الدولة في التطبيق الصارم لقانون الطوارئ الصحية وتصديها لكل المخالفين. وما يرجوه المواطنون هو أن تمارس الدولة حزمها في تطبيق القانون وتفعيل بنود الدستور ليشمل كل مناحي الحياة .فليس أصعب من فرض الحجر الصحي على مدى شهور، وفرضته الدولة دون أن تنازعها سلطاتها أي جهة . فرض القانون على الجميع هو ما يريده المواطنون وصفقوا له خلال مرحلة الحجر الصحي وحالة الطوارئ التي فرضتها الجائحة. إن كل العوامل كانت ولا زالت مساعدة للحكومة لإحداث قطيعة مع الفساد والنهب : الدستور ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة ، ملك البلاد يشدد في معظم خطبه على تطبيق الدستور”أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ”. (خطاب العرش 2017)؛ ثم مطالب الشعب المغربي بقطع دابر الفساد وتطبيق الدستور. لكن للأسف أخلفت حكومة البيجيدي وعودها والتزاماتها ، بل حمى الحزب الذي يرأسها المفسدين. ولولا الحالات التي تدخل فيها ملك البلاد بقرارات معاقبة وإعفاء وزراء ومسؤولين من مهامهم ، لم يحدث أن اتخذت الحكومة أي قرار لربط المسؤولية بالمحاسبة ؛ فحتى الملفات التي يعدّها المجلس الأعلى للحسابات ينتهي بها المطاف إلى الرفوف لا إلى القضاء ، مما يجعل المواطنين يتساءلون عن جدوى إنشاء ودسترة هذه المؤسسات.
Source : https://dinpresse.net/?p=13955