سعيد الكحل
يبدو أن تحديد يوم 16 ماي ” يوماً تضامنياً وطنياً مع فلسطين” لم يأت اعتباطا أو صدفة ولا حتى ضرورة أملتها ظروف الحرب على غزة، بل هو مخطط وضعته قيادة جماعة العدل والإحسان ثم أملته على أعضاء ” الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع” التي تشكل ــ الجماعة ــ عمودها الفقري .
وتتشكل الجبهة من الهيئات التالية :
1. الحزب الاشتراكي الموحد
2. الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان
3. حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي
4. حزب النهج الديمقراطي
5. حزب المؤتمر الوطني الاتحادي
6. الكونفدرالية الديمقراطية للشغل
7. الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي
8. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
9. العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان
10. حركة “ب د س” المغرب
11. الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان
12. الهيأة المغربية لنصرة قضايا الأمة
13. لجنة التضامن مع الشعب الفلسطيني بالبيضاء
14. الحملة المغربية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية، لإسرائيل
15. الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب.
وعنونت الجبهة نداءها كالتالي : “نداء عاجل لتنظيم يوم وطني تضامني مع الشعب الفلسطيني، الأحد 16 ماي 2021، تحت شعار “كلنا فلسطين”، دعت فيه إلى تنظيم “تظاهرات ووقفات أو مسيرات، موحدة في الزمان متفرقة في المكان، يوم الأحد 16 ماي 2021 على الساعة السادسة مساء“.
إن اختيار يوم 16 ماي هو اعتداء على رمزية الذكرى الأليمة التي يحييها الشعب المغربي بكل آلامها ويستحضر فيها خطر الإرهاب ومفعول الأحزمة الناسفة على البشر والحجر. إنها ذكرى الأحداث الإرهابية التي استهدفت خمسة مواقع بمدينة الدار البيضاء، واستهدفت معها الوجدان الشعبي والوطني الذي لم يكن يتوقع أن يتحول 15 من أبنائه إلى عناصر انتحارية تحمل أحزمة ناسفة إلى حيث تم التخطيط لتفجيرها . فاجعة فتحت أعين الدولة وأجهزتها وكذا أعين المغاربة على مخاطر التطرف وفقه التكفير على أمن الوطن واستقرار المواطنين. بل جعلت الشعب المغربي أكثر حيطة وحذرا من كل رموز التطرف والتكفير: لباسا ، وتفكيرا ، وسلوكا . لهذا استحال على التنظيمات الإرهابية أن تجد بيئة حاضنة لعناصرها تغذيها وتتستر عليها.
إن الجماعة ، وهي تقرر التظاهر في هذا اليوم بالذات وليس يوم النكبة، أي 15 ماي، وهو الأنسب للتضامن مع الفلسطينيين في هذه الظروف، كانت لها أهداف ورسائل استغلت بقية الهيئات لتبليغها إلى من يهمهم الأمر.
ولعل أبرز تلك الأهداف:
ــ تقويض جهود الدولة في محاربة الوباء والتقليل من آثاره الاقتصادية والاجتماعية . فالجماعة سعت ولا زالت تحاول إثارة الفتنة وإفشال إستراتيجية الدولة لمواجهة الجائحة، خصوصا بعدما تأكد لها قرب الانفراج بفضل تسريع وتيرة التلقيح وتحقيق المناعة الجماعية. فبعد أن فشلت الجماعة في التحريض الجماعي على خرق الحجر الصحي وإرباك الدولة، تعود اليوم ببرنامج تحريضي على التظاهر وحشد جموع المواطنين بأعداد كبيرة في المسيرات مستغلة حرب إسرائيل على الفلسطينيين ، في خرق صارخ للتدابير الاحترازية.
الأمر الذي يوفر كل الظروف لانتشار الوباء بين المتظاهرين بغاية تأزيم الأوضاع الصحية واستنزاف قدرات الدولة وطاقاتها البشرية. فكلما تأزمت الأوضاع الصحية والاجتماعية واستفحل الوباء إلا وتأجج غضب المواطنين واستبد بهم الشعور بالظلم وبالغبن.
وهذا ما تريده الجماعة التي تستثمر في أوضاع الاحتقان وتفتعل الأسباب لتفجير الأوضاع الاجتماعية والسياسية تمهيدا “للقومة” التي تحلم بها وتُعدّ لها. بهذه الخلفية تتحكم الجماعة في قرارات “الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع” واستغلال مكوناتها كأدوات في صراعها مع النظام. في هذا الإطار يأتي قرار الجماعة باسم “الجبهة” تنظيم “مسيرة شعبية بالرباط صباح يوم الأحد 23 مايو 2021”.
ــ التشويش على أجواء الثقة التي استعادها المواطنون في الدولة بفضل نجاح إستراتيجية مواجهة الوباء والحد من آثاره. وقد تقوّت هذه الثقة مع الجدية التي لمسها المواطنون في التنظيم المحكم لعملية التلقيح وسلاستها بما يضمن الشفافية والحق في الاستفادة ، حسب الفئات العمرية المستهدفة. نجاح إستراتيجية مواجهة الوباء أفسد على الجماعة كل خططها الرامية إلى استغلال ظروف الحجر الصحي للتحريض على التمرد والعصيان.
ذلك أن عناصر الجماعة، وفي عدد من المدن، حرضوا وقادوا وأطروا وقفات احتجاجية ضد التدابير الاحترازية (مظاهرات ليلية ) وضد إغلاق المساجد أمام الصلوات الجماعية. إذ انبرى عدد من قادة الجماعة إلى اتهام الدولة/النظام باستهداف الدين وشن الحرب على الإسلام ؛ ومن هؤلاء: محمد حمداوي عضو مجلس إرشاد الجماعة الذي نشر فيديو يتهم فيه النظام كالتالي (هذا يعني استهداف ممنهج لدين المغاربة واستهداف ممنهج للإسلام بشكل واضح لا لبس فيه لا يمكن أن يتعذر متعذر بكذا أو كذا نهائيا لأن الأمر هنا يتعلق باستهداف الدين .. وينبغي أن يعلم الناس جميعا أن الأمر يتعلق باستهداف للدين مباشرة وأن الأمر خرج عن دائرة الشك والظن والتقدير إلى دائرة الاستهداف ومحاولة النيل بشكل غير مسبوق ، لم يسبق في التاريخ أبدا أن وقع مثل هذا الأمر ، وينبغي أن يتنبه الناس وأن يتيقظ المسلمون بصفة عامة إلى هذا الخطر ، إلى مثل هذه القرارات التي تستهدف الدين مباشرة ).
ليس غريبا أن يدعم البيجيدي مخطط جماعة العدل والإحسان ، فهما على عقيدة إيديولوجية واحدة وتتكامل أدوارهما. لكم المؤسف حقا هو أن تلتحق تنظيمات يسارية بجماعة العدل والإحسان وترضى لنفسها بالتبعية لها والقبول بوصايتها والانخراط في أجنداتها وقد داست على كل القيم والمبادئ التي تأسست عليها وتناضل من أجلها ، وفي مقدمتها مناهضة كل أشكال استغلال المواطنين . بل تجاهلت ما بينها وبين الجماعة من تناقضات في المنطلقات والأهداف جعلت الجماعة ترتب الأحزاب اليسارية على قائمة الذين سيشملهم التنكيل بالطرد من الوظائف العمومية ثم قطع الأيدي والأرجل من خلاف فسمْل العيون ثم التعطيش حتى الموت في رمال الصحراء.
هذا هو المصير الذي تدّخره الجماعة للأحزاب اليسارية ومناضليها حين “التمكين”. فالتظاهر في شوارع الرباط لن يحرر أرض فلسطين ولم يوفر لمواطنيها الغذاء والدواء ، لكنه، في هذه الظروف، يوفر كل أسباب انتشار الوباء بعدما صار متحكما فيه. ولتعلم الجماعة ومن يستظل بظلها أن الشعب المغربي ليس بحاجة لمن يعطيه الدروس في قيم التضامن ونصرة الشعوب التي جُبل عليها عبر التاريخ.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14555