محمد عسيلة، رئيس جمعية العائلة المغربية للثقافة والشباب وأستاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية والوظيفة العمومية ـ ألمانيا
البعض يعتبر فكرة تأسيس المقابر في ألمانيا مؤشر إحساس بوطن وانتماء و قفزة نوعية في اعتبار الأرض أرضًا غير مقدسة بل هي لنا مسجدًا مع احترام القواعد الشرعية و الفقهية في التنزيل؛ و البعض الآخر لم يعر للموضوع أي اهتمام بحكم أنه له تأمين نقل جثمان و دفن بأرض الوطن؛ و آخرون نسفوا الفكرة أساسًا متهمين الجهة التي تسعى الى تأسيس هذه المقابر جهة وصولية تسعى الى تحقيق مآرب شخصية!
بين كل هذا الصراع المفاهيمي من جهة و المقاصدي من جهة أخرى جاءت كورونا لتعيد الفكرة و بجدية الى الواجهة بعدما تابع الكثير القدر الذي تعرضت له العديد من الدول و ما تعرض له الموتى في ايطاليا و اسبانيا.
لا نريد ان نتعرض لهذا الموضوع في لحظات نحتاج الى بصيص أمل في الحياة و البقاء، لكن الأعمار بيد الله و معالجة هذا الموضوع يدخل في تدبير قضايا مغاربة العالم، خصوصا بعدما توصلنا كجمعية بنداءات تهم هذا الموضوع تطالبنا بطرح موضوع الدفن و المقابر في ألمانيا على طاولة أولياتنا و رفعها الى الجهات المسؤولة.
فحسب بعض الإحصائيات الغير الرسمية تُنقَل 70 % من جثامين المسلمين لبلدانها الأصلية و ثلاثون بالمائة تُدفن في ألمانيا بحكم قلة أو عدم ارتباطها مع البلدان الأصلية و تواجد معظم أفراد العائلة هنا عكس الجيل الأول الذي يركز تركيزًا على رغبته في دفنه في بلده الأصلي.
في ألمانيا و نظرًا لطبيعة سياستها الفدرالية فإن لكل ولاية قانون خاص بها خاصًا بالمقابر و قواعد الدفن. فبعض الولايات الألمانية مازالت تحظر الدفن بالكفن معللة ذلك “بالحفاظ على البيئة والخوف من انتشار الأوبئة و الأمراض المعدية الناتجة عن تحلل جثة المتوفى”. غير ان العديد من الولايات تسمح بالدفن بالكفن مثل برلين، حيث بذلت الجمعيات و التمثيليات المسلمة جهودا كبيرة للوصول الى هذه النتيجة.
لكن ما يجب فهمه ان بناء المقابر و تأسيسها كمقابر مسلمة يتطلب توحيد صف الجمعيات و المراكز الإسلامية للتحدث بصوت واحد مع السلطات الرسمية و الاتفاق على القوانين و آليات عمل المقبرة.
كما يبقى موضوع الدفن مرتبطا بمدى بقاء هذه المقابر لأن قانون بعض الولايات لا يسمح بالدفن و الحفاظ على القبور بشكل دائم! الزمن الخالد حسب الأدبيات الألمانية و هذا ما ترفضه التمثيليات المسلمة. و لقد تخلت بعض الولايات على اجبارية الدفن بتابوت خشبي و سمحت بإنشاء مقابر إسلامية خاصة غير مندمجة أو متصلة بالمقابر المسيحية و كذلك التسريع باستصدار شهادة الوفاة و التي لا تتجاوز ساعات الى 48 ساعة على الأكثر مادام إكرام الميت دفنه دون تمديد مدة بقاء جثمانه في صناديق الإيداع المبرد بالمستشفيات.
في ولاية شمال الراين سمح القانون الجديد الخاص بالدفن بايجاد جمعية خاصة تتوفر فيها الشروط للإشراف على إجراءات الدفن مما دفع بعدد من الجمعيات في مدينة فوبرطال مثلا تأسيس جمعية للحصول على ترخيص لإقامة مقبرة للمسلمين بالمدينة.
و لقد استبشر بعض السياسيين خيرًا بهذا الإجراء المرتبط بتأسيس مقابر إسلامية فوق التراب الألماني لأن ذلك حسب نظرهم محفز لاندماج المسلمين في المجتمع الألماني و زيادة ارتباطهم به و تمكين ذويهم من زيارتهم مما يقوي كذلك نوعا من الانتماء بألمانيا.
لقد كان تغيير قوانين الدفن في سنة 2014 و الذي نص على الاعتراف بحق الطوائف الدينية و الجمعيات المسلمة منعطفًا إيجابيًا لم تستوعبه بعض الجمعيات التي لم تحاول الجلوس إلى مائدة الحوار لتدبير بنوده و محاولة تنزيله أو ابداء رأيها الفقهي و الإداري.
علينا الآن بمحاسبة الذات و القفز على أنانيتنا و عدم نسف مبادرات الخير فقط لأننا غير موجودين فيها كأفراد أو كأسماء – حينها سنفهم الدرس و هذا متاح للجميع لأن الله أكرمنا بعقل و بفؤاد؛ لا تعمى الأبصار بل تعمى القلوب التي في الصدور!
علينا بمجالسة الإخوة في مدينة فوبرطال كي ندعم مبادرتهم و نستفيد من مجهوداتهم لأن هناك مثلا ألمانيا يقول: لا يمكن أن نصنع العجلة دائما، علينا التفكير في الإضافات” – نعم الإضافات النوعية التي تخدم المصلحة العامة.
هناك توصيات و قوانين و مضامين لجلسات برلمانية ناقشت موضوع المقابر و علينا فتحها للاطلاع عليها و البحث عن إطار عملي كي نؤسس هذه المصلحة: مصلحة تأسيس مقابر إسلامية تحفظ جثثنا بطريقة كريمة إسلامية مرتبطة بشعائرنا – هذا فرض عين و ليس فرض كفاية – أقولها بصوت مرتفع؛ فاللهم إني بلغت؛ اللهم فاشهد!
أظن أن لـ”كورونا” إيجابيات – لا ندري – ذاك في علم الل ه- منها إعادة ترتيب الأوليات و الالتزامات و الواجبات و ستجمع لا محالة صفنا و توحدنا – و هذا ما نرجو و نسعى إليه.
Source : https://dinpresse.net/?p=7417