18 أبريل 2025 / 11:34

محمد أومليل: دراسات قرآنية معاصرة. الحلقة الأولى

ينفرد موقع دين بريس بنشر سلسلة مقالات للكاتب والباحث المغربي محمد أومليل حول الدراسات القرآنية المعاصرة، بناء على مراجعات وقراءات أنجزها طيلة مساره التأملي في هذه القضايا.

************************

مقدمة
ما نلاحظة من تخلف لدى المسلمين بشكل عام، ولدى العرب على وجه الخصوص كونهم أكثر تخلفا من المسلمين العجم؛ يدعونا إلى المقارنة بيننا نحن المسلمين وبين القرآن الكريم وما حظنا من توجيهاته ووصاياه وأوامره ونواهيه في مجال العبادات والمعاملات؟
الجواب في غاية الوضوح حسب ما نلاحظه عن قرب يوميا، لا سيما في مجال المعاملات، وحسب ما تم رصده من قبل الدراسات والمؤشرات التي تشير إلى أن أغلب البلدان الإسلامية تحتل مراتب جد متقدمة، في مجال التدين الشعائري، من ضمنها المغرب الذي يحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم في التدين الظاهري المرتبط تحديدا بأداء الشعائر التعبدية، وفي ما يندرج ضمن مجال المعاملات مثل الشفافية والديمقراطية والتعليم والاقتصاد..، مرتبتنا في ذيل القائمة!؟
والمفارقة الغريبة أن هناك عدة دراسات، أمريكية وأوروبية، توصلت إلى أن بعض البلدان الغربية أكثر التزاما من البلدان الإسلامية بتعاليم القرآن الكريم في مجال المعاملات؛ مكارم الأخلاق والشفافية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد!
من ضمن تلك الدراسات؛ دراسة (جامعة جورج واشنطن)، وأخرى قام بها (جول هوسفورد) وتم نشرها في (ذي جورنال)، أشار فيها إلى أن إيرلندا احتلت المرتبة الأولى عالميا في تطبيقها لتعاليم القرآن في مجال المعاملات متبوعة بالدنمارك ثم السويد، والبلدان الإسلامية في ذيل القائمة تتقدمهم ماليزيا وأندونيسيا وبنغلاديش مع فارق شاسع بينها وبين باقي البلدان الإسلامية!؟
ما تقدم ذكره يتضمن جزءا مهما من الجواب على السؤال الأهم الذي طرحه المرحوم شكيب أرسلان في بداية القرن العشرين مفاده: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟
والسؤال لا زالت له راهنيته إلى يومنا هذا بحكم أن التخلف لا يزال لصيقا بنا في أمور الدين والدنيا على السواء، حتى دين الله القيم حظنا منه قليل جدا، كون تديننا السائد مصدره “دين الشركاء”!
اصل ذلك قوله تعالى:
“أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ” (الشورى 21).
مما يندرج ضمن الجواب على سؤال شكيب أرسلان:
” وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ” (الفرقان 30).
لو كنا حقا متدينين بدين الله القيم ومستمسكين بالقرآن الكريم حقا لكنا فعلا أحسن أمة بين الأمم، لا العكس كما هو معلوم معايشة ودراسة.
هناك عدة موانع حالت بيننا وبين فهم القرآن فهما سليما والاستمساك به في العبادات والمعاملات على السواء.
ذلك ما دفعني إلى الخوض في موضوع دراسة القرآن دراسة معاصرة على أساس مقاربة شمولية ومنهج مركب منفتح على المناهج الإسلامية القديمة والمناهج الحديثة على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية كون ” الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها “.
ومن الدوافع كذلك وراء اختيار هذا الموضوع “دراسة قرآنية معاصرة” ما رصدته من توجيهات قرآنية تحث على الاستمساك بالقرآن الكريم في سور عدة ضمن سياقات مختلفة، من ضمنها:
” وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه ” (الأنعام 155).
وكذلك ما ورد في الحديث النبوي، مثالا لا حصرا:
“عليكم بكتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى “.
وغير ذلك كثير بصياغات مختلفة مع نفس المضمون؛ الاستمساك بالقرآن الكريم.
بالإضافة إلى بعض أهل العلم الذين جعلوا القرآن مرشدا لهم ومقدما على غيره وحكما عليه وفق رؤية معاصرة من علماء السنة والشيعة على السواء، والذين على أساس القرآن الكريم قدموا قيمة مضافة للتراث الإسلامي، ومن ضمنهم على سبيل المثال لا الحصر؛ سيد قطب، أبو العلاء المودودي، سعيد النورسي، محمد إقبال، حسن الطباطبائي، محمد باقر الصدر، محمد حسن فضل الله، كمال الحيدري.
الاهتمام بالدراسات القرآنية ليس أمرا جديدا، أو الاشتغال عليه في حكم النادر، بل العكس كونه نال حظ الأسد من حيث الدراسة قديما وحديثا؛ التفاسير تعد بالمئات على شكل مجلدات، والكتب والمقالات تعد بالآلاف على اختلاف التوجهات والمناهج كما سيأتي بيانه بشيء من التفصيل لاحقا.
بالإضافة إلى الدراسات الحديثة التي ساهم فيها المستشرقون والعلمانيون والحداثيون والمؤمنون والملحدون والمسلمون المتنورون مع الاختلاف في المناهج والمضامين والمقاصد، من خلال كتب ذات الحجم الكبير والمتوسط والصغير، ناهيك عن آلاف المقالات في المجلات والجرائد تم تحرير ذلك بلغات متعددة، وللأسف الشديد، لدينا نحن العرب اطلاع على ما ينشر باللغة العربية فحسب، أما ما ينشر بلغات المسلمين العجم (الفارسية والتركية والكردية والباكستانية وغيرها من لغات المسلمين العجم) فهو شبه مغيب إن لم نقول مهمل!؟
القرآن الكريم معاصر لكل زمان وجيل كونه من لدن الله العليم الخبير الحكيم، لذا، القرآن الكريم تم تفصيله بعلم:
” ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم ” (الأعراف 52).
” وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ” (النمل 6).
وفي الحديث الطويل نأخذ منه ما يلي (سوف يأتي ذكره بمجمله لاحقا):
“.. ولا تنقضي عجائبه.. “.
القرآن غزير بالدرر قابل للتجديد والمعاصرة لا سيما في آياته الظنية حمالة أوجه وحاملة لمعاني مدخرة لزمن يتوفر فيه سقف معرفي مناسب لاستيعاب جديد لم يكن متوفرا من قبل لدى السلف.
وقد أشار الإمام علي إلى ذلك حيث قال: “القرآن حمال أوجه “؛ في ما له علاقة بظني الدلالة فقط. مقابل “آيات محكمات هن أم الكتاب” لا تقبل التأويل المتعدد كما هو حال الظنيات والمشتبهات.
ذلك ما سوف يتم تناوله ضمن الفصول التالية:
– محورية القرآن الكريم
– موانع الفهم والاستمساك
– الدراسات القديمة
– الدراسات الجديدة
– دراسة قرآنية معاصرة.
****************

رابط صفحة الكاتب على فيسبوك:

https://www.facebook.com/share/1MxuRKJTdT/