15 أكتوبر 2025 / 16:12

ماذا يعني الدفاع عن الدولة بمنطق المجتمع؟

محمد زاوي

نظريا لا يتحقق الفصل بين الدولة والمجتمع إلا في حال انحسار السيطرة القديمة في جهاز الدولة؛ فيما تسيطر على المجتمع كتلة اجتماعية جديدة (فئة أو طبقة أو مجموع طبقات)، صاعدة ولتوها تبحث عن أسباب السيطرة السياسية. في حالات أخرى، لا يخلو المجتمع من دولة، ولا تخلو دولة من مجتمع.

في حالة بعينها، حالة تعايش مطلبين متناقضين: الدفاع عن الدولة ومعارضتها، الدفاع عن “وجودها الاجتماعي” ومعارضته؛ في هذه الحالة بالضبط، يستعصي الفصل بل ويستحيل، إلا أن التمايز بين موقعين يكون ممكنا؛ أي بين موقع المجتمع وموقع الدولة.

فإذا دافع مناضلو الفئات الاجتماعية الدنيا عن الدولة فإنهم لا يفعلون ذلك بمنطق رأسماليتها، وكذلك عندما يدافعون عن نموذجها الاجتماعي. الدفاع الأول ضرورة تاريخية عامة لا تتحقق التغيرات والتحولات التاريخية إلا في إطارها، والثاني ضرورة تاريخية خاصة، مؤقتة وانتقالية، لأن السيطرة الاجتماعية ليست “قدرا مقدورا”.

هذا المنطق غير مفهوم عند فئتين؛ فئة لا ترى ضرورة للدفاع عن الدولة لأنها لا تعترف بوطنيتها وأدوارها التاريخية، وهذا خطأ كبير يغفل التناقض الرئيس للمجتمع في شرط تاريخي خاص؛ وفئة أخرى لا ترى ضرورة للدفاع عن المجتمع لأنها لا تعترف بمطالبه في العيش وحقه في التحرر من الاستغلال، وهذا خطأ ناتج عن اعتبار التفاوت الاجتماعي حتمية تاريخية، وما هو كذلك.

التطرق لهكذا نقاش في شروط بعينها يطلب الحذر؛ ولكن ممّ؟ من عقول فوضوية لا ترضى الخضوع وقد يصبح ضرورة في التاريخ لا تتحقق الحرية إلا به، أو عقول ضبطية تريد أن تعزف المستقبل بألحان الحاضر وهو في تغير مستمر. “الخضوع في الحاضر” عبارة ستاتيكية لا تخلو من ديناميكية، لأن الحاضر يحمل مستقبله معه، ولأن الخضوع فعل تحرري في شرط تاريخي خاص.

يستعصي على أغلب المناضلين هذا النوع من التمييز الدقيق، فيرتمون إما في أحضان الفوضوية على النقيض من مصلحة الدولة (وهي نفسها مصلحة المجتمع في الشرط الذي نتحدث عنه)، وإما في أحضان الضبط على النقيض من مصلحة المجتمع (وهذه قد تخدم الدولة في شرط ما). وإذا امتلك المناضل وعيا نقديا، جدليا وتاريخيا، وضع لنفسه سقفا تحكمه ضرورة الدولة، لا مصلحة المستفيدين منها بالضرورة؛ وذلك باعتبار مصالح الفئات المنتجة لأن المجتمع يتحرك ويتقدم بإنتاجها.