ماذا تعني عبارة ” عاش الشعب “؟

محمد علي لعموري
2019-11-04T14:24:10+01:00
آراء ومواقف
محمد علي لعموري4 نوفمبر 2019آخر تحديث : الإثنين 4 نوفمبر 2019 - 2:24 مساءً
ماذا تعني عبارة ” عاش الشعب “؟

العبارة إياها سبق ورفعها بعض الساخطين على الوضعية ومنهم بعض اليسار ورادكاليو حركة عشرين فبراير وتلك الطبقة التي تعتقد أن النظام قد همشها ولم يعطها حقها في أن تحيا حياة كريمة كما الآخرين.

العبارة لغويا تبدأ بفعل ماض ” عاش ” وفاعلها ” الشعب ” ، والماضي هنا لا علاقة له بفعل انتهى ، بل له علاقة بشعب لم ولن ينتهي لأنه فاعل منحدر من زمن مضى ( تاريخ شعب عريق ) ويمتد في الحاضر كرافعة لمفهوم الوطن جنب الأرض والسلطة التي تدير شؤونه وشؤون الوطن ، ويتطلع لمستقبل أفضل من خلال شعار يرفعه اليوم شباب يريد أن يقول للمسؤولين “نحن هنا” أيها الحكام هل نسيتم هذا الشعب ؟! أم تركتموه يدبر حاله بنفسه ويواجه مخاطر الحياة وحيدا دون التفات منكم لواقعه المرير ؟!.

الشعارات التي ترفع عادة بهذه القصدية تكون رسالة سياسية احتجاجية واضحة من طرف فئة متضررة داخل المجتمع ، ولكنها لا تعني شيئا مما يدل على التخلي عن الإنتماء لهذا الوطن الذي يعتبر الشعب أحد ركائزه الكبرى ، وهكذا يكون من باب الواجب الإنصات لصوت الشعب والتناغم سياسيا مع حاجياته ومتطلباته.

كل تلك الإحتجاجات الشعبية التي ظهرت في مناطق متفرقة من المغرب تشي بكون قاعدة عريضة من أبناء الشعب تئن تحت وطأة الفقر والحاجة و”الحكرة” والتهميش والإقصاء…وما الصوت الصداح الذي ترفعه في الشارع سوى مطالب مشروعة تندرج ضمن الحقوق المكفولة بقوة الدستور الذي صوت عليه هذا الشعب بنعم.

“عاش الشعب” التي تعني “نحن هنا” هل من ملتفت لهذا الصوت المكلوم يسمع أنينه وفاقته ، تحولت إلى سخط جارف يؤثث فضاءات شعبية وتيارات موسيقية من جيل جديد من الشباب الحاقد الذي يرفض هذا التجاهل وكل مظاهر الإحتقار والتهميش واللامبالاة…

في سياق كهذا ظهرت أصوات من قاع المجتمع تعبر عن سخط كبير تحول إلى كلمات لأغنية تحمل نفس العبارة ” عاش الشعب ” لكن هذه المرة زادت جرعة السباب والقذف والغمز واستهداف رأس الدولة ، فكانت الكلمات قوية فيها قلة احترام وفيها تطاول وفيها تشخيص للوضعية التي ترزح تحتها تلك الفئات المهمشة.

وكأن هؤلاء الذين يزعمون أنهم فنانون قد نطقوا بصوت يشخص الواقع المزري لملايين الناس الصامتة ، وهذا ما دلت عليه تفاعلات الشباب في الفيسبوك من مؤيد ومتتبع وناشر للفيديو الذي يقال أنه أصبح صك اتهام لهؤلاء الشبان الثلاثة.

الفيديو طبعا يعكس حقدا وسخطا موجها من طبقة مسحوقة نحو طبقة مرفهة وتنعم في الرفاهية والعيش الراغد داخل وطن يبدو أنه منقسم إلى مغربين : مغرب الأغنياء الذين تربطهم بالطبقة الحاكمة مصالح وتوافقات ، ومغرب الفقراء وهو المغرب المسكوت عنه الذي تفصله عن مغرب الأغنياء والحكام مسافات خيالية من البعد والتجاهل والتهميش والفقر والهشاشة.

طبعا الفيديو لا يمكن إلا أن نضعه في سياقه حتى نفهم درجة السخط التي بات يعبر بها شباب ضائع يائس فقد كل شيء أو لم يعد لديه ما يخسره حتى لو زج به في السجون.

ولعل التجاوب الإيجابي معه من طرف شباب يحمل نفس النظرة ونفس الفكرة الناقدة يدل على تدمر شباب الوطن وحقده على الطبقة التي تستفيد من خيرات الوطن أكثر منه – إن لم نقل تستفيد وحدها ودونه -.

طبعا نحن نرفض التطاول على شخص الملك كما نرفض الطرح السوداوي الذي يصور الواقع وكأنه كله سواد وظلم ظلمات وقهر…ليقيننا أنها ليست النظرة الموضوعية، وأن الفيديو قد عكس حالة نفسية لجيل من الشباب المنتمي لطبقة دنيا ناقمة ، وجسد سخطا كبيرا على الطريقة الفنية أو هكذا أراد بها أصحابها أن تكون ، رسالة قوية وقنبلة الموسم لكسب التعاطف والتأييد واحتلال الصدارة من حيث عدد المشاهدة..

هكذا استطاع الفيديو أن يجلب نسبة مشاهدة عالية لكنه لم يرق إلى مستوى العمل الفني النظيف والتعبير الفني الذي يعكس رؤية واقعية تخول للكل التجاوب معه من باب المساهمة في نقد واقع يحتاج للتجاوز وللإصلاح وللتفكير العميق.

لقد أخطأ هؤلاء الهواة التقدير ولم تسعفهم العبارة في إيصال الرسالة لمن يهمهم الأمر وللمشاهدين بشكل يبعث على الفخر والإعجاب.

بالمقابل دلت عبارة ” عاش الشعب ” عند هؤلاء عن تحد كبير لعبارة ” عاش الملك ” متهمين كل من يرفع العبارة الأخيرة أنه خائن ومن ” العياشة ” وهو مصطلح للتهكم على كل من يدافع عن الملك وكأن جلالته أصبح في قفص الإتهام !

إنها طريقة شعبوية سوقية للتعبير عن عدم رضاها لما يقوم به الملك من مجهودات تجاه هذه الفئة التي أعجبها الفيديو وأعجبتها جرأة أصحابه الذين وضعوا أنفسهم في وجه المدفع سواء من طرف من سيرفض أسلوبهم الوضيع في توجيه رسائلهم السياسية عبر بوابة الفن ، أومن طرف السلطة التي قد توجه لهم تهمة السب والقذف في حق ملك البلاد.

عبارة ” عاش الشعب” ليست شيئا سوى سخط شعبي يحتاج لمعالجة سوسيو-اقتصادية يشعر من خلالها أبناء الوطن من الطبقة الفقيرة أنهم ليسوا منسيين ولا مهمشين بل مفكر في قضاياهم ، ولهم اعتبار داخل منظومة الإصلاح ومسلسل الديمقراطية وأفق النهوض بالوضع الإجتماعي نحو الأفضل.
بقلم : محمد علي لعموري

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.