محمد عسيلة ـ أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا والمدرسة العليا للوظيفة العمومية والشرطة
ونحن نتابع أشغال مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة وأنشطتها داخل البلدان الإفريقية وما حققته من نجاح في جمع شمل العلماء وتوحيدهم على منهج تربوي نافع لخدمة الانسان في المجتمع، نستبشر خيرا ونسعد ونتمنى تحقيق امتدادها الى أوروبا و لو في إطار شراكات مع المؤسسات الاوروبية الوصية على قضايا الاندماج وتمثيليات الجمعيات و المساجد المغربية لنغرف من هذا المعين الصافي والجميل.
نعم، نستبشر خيرا ونسعد في آن لأننا نحس بالعجز داخل هذا التدافع وهذا الفراغ الذي نعيشه في اوروبا بحكم عدة مؤثرات موضوعية وذاتية منها تقوي شوكة اليمين المتطرف وازدياد موجات العنف والاقصاء اتجاه المسلمين والاسلاموفوبيا التي يغذيها الاعلام الغير الموضوعي.
وهذا كله أمام ضعف إمكانيات المساجد المغربية في التصدي لكل هذه التحديات وفي غياب مرجعية رائدة. ورغم هذا حققت تمثيليات هذه الاستخدام ومنذ عهود نوعا من الاستقرار وحققت عدة أهداف تبقى قابلة للتطوير والتحسين والتجويد قبل فوات الأوان.
فالمسلمون موزعون في هذه القارة العجوز ومنقسمون ومنهم من يتبع الشرق أو الغرب ومنهم من يحاول الالتزام بالحياد. هناك رغبات وطنية ضيقة خارج أوروبا تحاول احتواء مسلميها وبشتى الطرق. الامر الذي خلق تشويشا على الدول المُحتضنة الاروبية وجعلها مرة تتخوف بحذر ومرات تدق ناقوس الخطر من هذا الاحتواء والذي تراه لا يخدم أجندتها، معتبرة هؤلاء المسلمين مواطنين لها لهم حقوق وعليهم واجبات تستدعي الولاء لدساتيرها.
هؤلاء المسلمون يحتاجون إلى نموذج يقتدون به ويسيرون خلف خطاه. وهنا أتحدث عن مغاربة العالم كجزء من هؤلاء المسلمين، مواطني أوروبا. فمن يا ترى سيكون هذا النموذج؟
ذلك النموذج يجب أن يتوفر في السادة العلماء أولا والذين يصنعونه بشراكة مع المؤسسات الاوروربية الوصية على تدبير قضايا الاندماج في احترام للفصل الموجود في الدساتير بين السلط!! وهذه قضية يجب التفصيل فيها تقنيا وتربويا و منهجيا مع الخبراء.
التجربة التي قادتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة في إفريقيا كانت تجربة ناجحة لأنها واجهت نفس الشتات الذي نعيشه في أوروبا ونجحت في خلق تجانس يحترم الاختلاف، يأخذ صوب عينيه خدمة القضايا الانسانية وتلبية حاجيات الانسان الروحية والمعيشية اليومية والفكرية. أوروبا تتطلع الى حماية مواطنيها من التطرف وهذا ما تسعى اليه مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة كذلك: حماية القارة الافريقية وحماية إنسان هذه القارة، إذا استطعنا أن نصنع منه إنسانا صالحا لأن يكون في مقام الريادة والصلاح والنفعية العمومية.
أوروبا ومنها ألمانيا حاولت الاستناد الى الدين والمساجد للتواصل مع المسلمين وتسطير برامج ادماجية معهم، فالدين أساس كل نهضة في السياق الانتروبولوجي والفهم الصحيح للدين لأنه آت من الوحي والوحي هو خطاب السماء إلى الأرض.
إن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في سلوكه وفي سيرته كان قرآنا يتحرك على الأرض، فشاهد الناس كيف يتحرك القرآن حيث أحيى قوما كانوا منسيين ومهمشين على الأرض لا يبالي أحد بهم فأخرج منهم أمة وأخرج منهم إنسانا، ذلك الإنسان هو الذي علم الناس المبادئ الأخلاقية والقيم الخالدة، فانتشر المسلمون في أرض الله يبلغون عن رسول الله، لأنهم آمنوا كما علمهم الوحي أن هذا الدين لم يأت للعربي وإنما جاء ليخاطب الإنسانية كلها أينما كان موقعها على سطح الأرض.
“وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا”. “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. بهذا نرى ان هذه المؤسسة ناجحة في أن تمتد بأنشطتها ورعايتها الى أوروبا وتكون بذلك جسرا كونيا عابرا للقارات، تخدم الاستقرار وتخدم الانسجام الاجتماعي والانسان المسلم الأوربي داخل أوطانه الجديدة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13047