ذ محمد جناي
مع ظهور جائحة الفيروس الفتاك وتأثيراتها على مختلف قطاعات الحياة، برز التعليم عن بعد بقوة كبديل مؤقت عن الدراسة الفصلية المباشرة التي يجتمع فيها المتعلم مع المدرس وفيها تقدم المناهج الدراسية بطريقة مباشرة.
والوزارة أصدرت في هذا الشأن بلاغات تلو الأخرى لدعم مايسمى “بالاستمرارية البيداغوجية” والتي تعني أن يظل الاتصال بين التلاميذ والمؤسسات التعليمية قائما، أي إبقاء التلاميذ في حالة تحفيز ذهني.
وعلى الرغم من أن هذا البديل يفترض أنه مؤقت، وعلى الرغم من الشكاوى الواسعة وحالة التذمر في أوساط الجسد التعليمي وخصوصا هيئة التدريس من هذا النمط من التعليم، إلا أنه سيترك آثارا كبيرة في التعليم ووسائله المختلفة بعد انتهاء الجائحة والعودة إلى الأقسام الدراسية، مع العلم أن عددا جد محدود من مؤسسات التعليم المغربية من توظف وسائل التعليم عن بعد ولو جزئيا سواء قبل انتشار الوباء المستجد أم قبله، لهذا ظل حضوره ضعيفا ومحدودا لاعتبارات متعددة.
أحد الأسباب الرئيسية خلف شكاوى وتذمر الأطراف المختلفة من التدريس عن بعد هي فرض هذا النمط من التدريس بشكل فجائي، دون إعداد مسبق للمناهج والمواد الدراسية التي تتطلب تغييرات وتطويرا يلزمه وقت ومراجعة، ودون تدريب على برامج التكنولوجيا ووسائلها التي يقوم عليها هذا التعليم. ويضاف إلى ذلك أيضا بعض الصعوبات التي تعد من طبيعة التعليم دون اتصال مباشر بين المتعلم والأستاذ ، مثل غياب التفاعل وضعف الجوانب الإنسانية.
ومما لا شك فيه أن استخدام وتوظيف تكنولوجيا الاتصال والمعلوميات ووسائل التعليم عن بعد أصبح أمرا حتميا وأساسيا في العصر الحديث، وسيكون الشكل السائد في المستقبل بسبب ما يمتلكه من خصائص وسمات تتناسب مع ما تتطلبه النظم الحديثة من الاقتصاد على المستويات المختلفة.
وفي الرد على الجدل الذي يشير إلى أن التعليم في المغرب ليس في أحسن أحواله في شكله التقليدي، فكيف سيكون حين يصبح تعليما عن بعد، أود أن أشير إلى أن الشكل الجديد من التعليم في مثل هذه الحالة قد يقدم مستوى أفضل من التعليم الصفي؛ لأنه سيكشف العيوب التي تصعب معرفتها وفضحها في قاعات التدريس المغلقة، ذلك أن تسجيل الدروس وتوثيقها يجعلها خاضعة للنقد والمراجعة من الآخرين، الأمر الذي يؤدي إلى تطوير إلزامي لها وتخليص المادة المقدمة في التعليم من العيوب أو من بعضها على الأقل.
ولعلّ الأمر الأكثر أهميّة هو تغيير مفهوم التعليم بحدّ ذاته، فالمتعلم لم يعد ينظر إليه باعتباره متلقيا سلبيا والمدرس هو مصدر المعرفة الوحيد، وإنما يحتاج المدرس أن ينظم المعرفة للمتعلم وأن يكلفه بالقيام بالتعلم وتحمل المسؤولية الناتجة عن مدى التزامه في نهاية المطاف.
وبالتأكيد الحديث هنا عن التعليم العالي أكثر من التعليم المدرسي، وذلك لأن هذه الأخيرة تحتاج تنشئة وتربية ومراعاة لخصائص النمو والمرحلة العمرية أكثر بكثير من التعليم العالي، وهو ما يتطلب الكثير من المباشرة في الاتصال مع المتعلمين.
ولهذا لم تعد التكنولوجيا وأدواتها وتغيير مفاهيم التعليم والتعلم التابعة لذلك أمرا أساسيا للتطور المستقبلي فحسب، وإنما هي وسيلة للتخلص من عيوب التعليم الصفي ومما يسود فيه من أوجه القصور والإهمال لا سيما في دول العالم التي تعاني أنظمتها التعليمية من ضعف وتراجع.
Source : https://dinpresse.net/?p=7909