لماذا وقع الاختيار على السعودية تحديدا كمسرح للمحادثات الروسية-الأمريكية؟

دينبريس
2025-02-18T12:32:15+01:00
تقارير
دينبريس18 فبراير 2025آخر تحديث : الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 12:32 مساءً
لماذا وقع الاختيار على السعودية تحديدا كمسرح للمحادثات الروسية-الأمريكية؟

سعيد الزياني ـ دين بريس

إن استضافة المملكة العربية السعودية للمحادثات بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية في الرياض لا يراه المتتبعون حدثا دبلوماسيا عابرا، وإنما محطة مهمة تعكس تحولات جوهرية في النظام الدولي، وتكرس الدور الصاعد للرياض كقوة وسيطة وفاعلة على الساحة العالمية.

وبالتالي، فاختيار الرياض لتكون مسرحا لهذه المحادثات جاء نتيجة معطيات استراتيجية متشابكة تتصل بموقعها السياسي والاقتصادي والجيوسياسي، يمكن الاشارة اليها كالتالي:

أولا: يتمتع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعلاقات قوية مع كل من الرئيسين الأمريكي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين، ما يمنح المملكة القدرة على التوسط بين الطرفين بمصداقية وثقل سياسي، فالملاحظ أن المملكة تنتهج سياسة الحياد الإيجابي، التي تسمح لها بالانخراط في القضايا العالمية دون التورط في الاستقطابات التقليدية.

وأيضا كانت الرياض شريكا استراتيجيا لواشنطن، سواء في مجال الطاقة أو الأمن أو الاستثمارات، واستطاعت أن تبني في الوقت ذاته علاقات وثيقة مع موسكو، لا سيما في إطار التنسيق داخل منظمة “أوبك+” والتعاون في قضايا إقليمية مثل سوريا وأوكرانيا، هذا التوازن يجعل من السعودية وسيطا مثاليا يمتلك إمكانية التفاعل والتعامل مع الطرفين.

ثانيا: تمثل هذه المحادثات الاعتراف الدولي المتزايد بالدور السعودي كوسيط موثوق وقادر على التأثير في مسارات الأزمات الكبرى، فمنذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، سعت الرياض للعب دور فاعل في جهود التسوية، بدء من التوسط في صفقات تبادل الأسرى، ومرورا بتقديم مبادرات دبلوماسية لحل الأزمة، ووصولا إلى استضافة هذه المحادثات التمهيدية.

ثالثا: تأتي هذه المحادثات في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط إعادة تشكيل للمشهد الجيوسياسي، ذلك أن المملكة تقود عملية تحول كبرى في المنطقة، تستند إلى رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل اعتماده على النفط، ما يجعل الاستقرار الإقليمي والدولي أولوية قصوى، واستضافة هذه المحادثات تعزز من صورة السعودية كدولة ذات نفوذ عالمي، قادرة على التأثير في القضايا الكبرى، وليس مجرد قوة إقليمية.

رابعا: لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي لهذه المحادثات، لأن السعودية لاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي من خلال استثماراتها في الأسواق المالية والبنية التحتية العالمية، ومن مصلحة الرياض أن تسهم في التوصل إلى حلول سياسية تقلل من التوترات الجيوسياسية التي قد تؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي العالمي.

خامسا: يشير اختيار السعودية إلى انحسار دور بعض القوى الأوروبية في إدارة الملفات الدولية الكبرى، فبينما كانت أوروبا تسعى لعزل روسيا دبلوماسيا، اختارت كل من واشنطن وموسكو الرياض لتكون مكانا للحوار، وهذا يشير إلى أن السعودية أصبحت شريكا أساسيا في إعادة تشكيل النظام الإقليمي على الأقل، خاصة في ظل تنامي الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا، وإمكانية عقد اتفاقات تتجاوز العواصم الأوروبية التقليدية.

ومن المحتمل أن تؤدي هذه المحادثات إلى اتفاق يمهد الطريق لمفاوضات أوسع تشمل تسوية الملف الاوكراني لاحقا، وهو ما يضع السعودية في موقع متميز كوسيط قد يلعب دورا رئيسيا في صياغة مستقبل هذه الأزمة.

كما أن توقيت المحادثات يعكس أيضا تحولات في أولويات السياسة الأمريكية، وهناك توجه واضح، في ظل إدارة ترمب، نحو البحث عن حلول عملية بعيدا عن النهج التصعيدي الذي تبنته إدارة بايدن تجاه روسيا، وهذا يعني أن واشنطن قد تكون منفتحة على اتفاقيات أكثر براغماتية مع موسكو، خاصة إذا كان ذلك سيساعد في تخفيف الضغط على الاقتصاد الأمريكي المتأثر بالتضخم والمخاوف من الركود.

ومن جهة أخرى، فإن موسكو ترى في هذه المحادثات فرصة لإعادة تعريف علاقاتها مع الغرب، ومحاولة كسر العزلة الدولية التي فرضتها عليها العقوبات الغربية، ومن خلال إشراك السعودية في هذه العملية، فإن روسيا تحاول الاستفادة من العلاقات الجيدة التي تربطها بالرياض، أملا في تأمين موقف تفاوضي أفضل.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.