لقد تَشابَه عليْنا اللّيل

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس9 مارس 2025آخر تحديث : الأحد 9 مارس 2025 - 3:30 مساءً
لقد تَشابَه عليْنا اللّيل

د. سمير عزو
وردت في سورة البقرة قصّة سيّدنا موسى عليه السلام، مع قومه بخصوص قَتيلٍ لم يُعْرف قاتِلُه، إذ قال له قومُه “أُدْعُ لنا ربّك يُبيّن لنا من قتله؟”، فكان أنْ أمَرهم الله تعالى بأن يذْبحوا بقرةً مُجرّدةً، دون توْصيف و لا تحْديد، لكنّهم تلكّؤُوا في ذلك و شدّدوا على أنْفُسِهم في طلب مَعْرفة أوصافِها.

وأنا أتأمّل هذه السّورة على طُولِها، قدَحَت في ذِهْني مجموع تساؤلات؛ ما العِبْرة مِن قصّة موسى عليه السلام و بقرة بني إسرائيل ؟ ما سبب وُرود الآية 187 (إتْمام الصّيام إلى اللّيل) ضمنها ؟ ما هو الرّابط بين عُقْدة البقرة والإشْتباه في اللّيل ؟

حقيقٌ أنّه مِن بين ما يقول المغاربة في أمثالهم الشّعبية، إذا ما تعقّد أمرٌ ما عليهم و صَعُب حلُّه، يقولون بِعفْويّة دونما أيِّ ٱنتباه إلى أصْلِها : “ما هي و ما لونُها ؟”، تماما مثل كلمة “قَرْبالَة” التي يَعْنون بها الضّجيج و الفِتنة، و هي في الأصل “كرْبلاء” (واقعة الطّفّ)، و كذلك الأمر بالنّسبة لكلمة “الشُّوهة”؛ التي يُعبِّرون بها على نفس المعنى العِبْري و هو عدَم العَدالة.

لكن ألا يكون وُرود الآية 187 ضِمن سورة البقرة، إشارةً إلى ذلك الجِدال و الإلْحاح ؟ و بالتّالي التّنبيه لضرورة الإمتثال و الإنْصِياع لأوامر الله ؟ نقول ذلك خصوصا و نحن نشْهد عند كلّ صيام رمضان، تجاذُباً للفقهاء و الفِرَق الإسلامية، حول اللّيْلٍ و تقْدير دُخولِه إيذانا بالإفطار، رغم أنّ هذا الليل واحد ومُتعارَفٌ عليه في كلّ العالم؛ فَمِن قائلٍ هو ٱسْتِتار قُرْص الشّمس و مِن قائل هو ذهاب الحُمْرة المشْرقيّة، هكذا للأسف كلٌّ يفْهم ليْلَه كما قال شيْخُه، و لو عادت النّاس إلى عقْلِها و صريح قرآنها، لَفهِموا أنّ الأمرَ محْسومٌ في قوله تعالى “وَ آيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ” سورة يس 37، و أنّه لا يفْصل بين غِياب القُرص وذهاب الحُمْرة إلاّ فارق 12 دقيقة من الزٌمن.

إنّه مِن “الشّوهة” و “القرْبالة”، و من قبِيل “ما هي و ما لونها”، أن يُشاكِس النّاس في مُدّة زمنيّة لا تُقدَّر بشيء، مع عدد ساعات الصّيام في اليوم الواحد، و ربّما راموا في ذلك الضّبطَ و التّعْجيل بالإفْطار، لكن في نفس الوقت لا يمكن تجاوُز نصٍّ قرآنيٍّ قطعي وصريح، يحدّدُ لنا ماهِية اللّيل بعبارة “مُظلمون”! و إنْ كان اللّيل في الحقيقة هو ذاك المُتعارَف عليه لدى كلّ الأقْوام و في كلّ المعْمور.

اللّيل قبل تقْعِيدِ اللّغة حتّى، و ظهور المعاجم و التّفاسير، هو الظُّلْمة و هو نقيضُ النّور، لا نحتاج فيه إلى رَهْن عقولِنا للمشايخ المُتخصّصين في القلْقلَة و سِحْر البيان. اللّيل كما رآه أبونا إبراهيم عليه السّلام “فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا” سورة الأنعام 76، وكما رآه ٱمْرُؤ القيس: ولَيْلٍ كموْج البحر أرْخى سُدولَه***علَيَّ بأنواع الهُموم ليبْتلي

وبالتّالي بيْنَ الغُروب و غيابِ الحُمْرة، بِينُ “ما بيَنَ الحقِّ و الباطل؛ أرْبعُ أصابِع” كما قال الإمام عليّ، تتلخّص فيها عُقْدة البقرة و الإمتثال العَفْوي لأوامر الله، على سبيلِ “الأحْوَط وُجوبا”، حتّى لا يشْتبِهَ علينا اللّيل كما تشابهَ على بني إسرائيلَ البقر.

رابط مختصر
كلمات دليلية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.