لاشماتة في الموت ورحم الله نوال السعداوي

شكير بوشعيب
2021-03-22T14:36:54+01:00
آراء ومواقف
شكير بوشعيب22 مارس 2021آخر تحديث : الإثنين 22 مارس 2021 - 2:36 مساءً
لاشماتة في الموت ورحم الله نوال السعداوي

شكير بوشعيب
“أن تشعر بالغيرة، فذلك طبيعي، لكن حينما تشمت، فذلك شيطاني”

تدلّ هذه العبارة المنسوبة للفيلسوف الألماني شوبنهاور أن الشماتة جزء من تركيبتنا البشرية الخالصة، في بعض الأحيان تكون طبيعية، لكن في أحيان أخرى تصبح شيطانية.

ففي حالات التنافس والاستقطاب الإيديولوجي والصراع الفكري والسياسي والاجتماعي تظهر الشماتة لتسيطر على الموقف، وفي مرحلة ما رُبما تُنتزع آدميتنا وإنسانيتنا ونتعامل مع الآخرين كحيوانات، لا مشكلة أن يتم قتلهم أو استئصالهم أو اعتقالهم أو تعذيبهم أو أن يذهبوا إلى الجحيم لا لشيء سوى لمجرد أننا نختلف معهم في المعتقدات والأفكار و الآراء السياسية.

مناسبة هذا الكلام هو مانشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي من حقد وسخرية وتشفي وشماته في موت الكاتبة والروائية نوال السعداوي، وهو مايتنافي مع الأخلاق الدينية والإنسانية. فمقولة “لا شماتة في الموت” ليست جديدة، ولا يجب أن يستفز البعض من كانوا على اختلاف مع المرحومة احترامًا لحرمة الموت.

إن المسلم الذي تربى على الأخلاق الفاضلة ووعي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يشمت في أحد ولا يفرح في مصائب الآخرين، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا”.

حقيقة إننا نعيش في مجتمع معطوب يمدّنا بكل أسباب الصراع، والأيديولوجية الإقصائية، فليس غريباً ما نشهدُه من انتشار واسع لهذه الخاصية النفسية المدمِّرة، وإن كانت بدرجاتٍ ونسب مختلفة. وقد عملت وسائل التواصل الاجتماعي على إظهار هذه المشاعر لتصبح علنيّةً وصريحة بعد أن كانت مضمرة و ضيقة ومحدودة.

فمجتمعاتنا العربية الاسلامية تربّت على الانتقام وأخذ الثأر، والتشفي بالآخرين، وتوزيع الشماتة بشكل سادي. إنني أجد حالات من التعاطف بين دول وشعوب وجماعات وأفراد، وخصوصا عندما يتعرّض أحدها إلى هزيمة أو انتكاسة أو أزمة أو فشل أو خسارة.. أما أن يصل حجم الأحقاد والانتقام إلى الفرح والابتهاج والنشوة الناجمة عن تحقق الأذيّة للغير، فهذا يحتاج منا إلى وقفة ومراجعة شاملة لعلاج أمراض الحقد والكراهية ونبذ الٱخر المختلف معنا.

إن مجتمعات الاستبداد السياسي، والاضطهاد الاجتماعي، وكذلك التربوي، والتي تعادي الفكر الحر والاختلاف، والتعدد الفكري والحريات، تنتج شخصيات هشة فكريا وأخلاقيا ، وهي لا تجد سبيلاً لتأكيد ذاتها إلا من خلال الاعتداء على كل مختلف عنها، عبر تهميشه بالاستهزاء، أو إلغاءه بالتخوين أو التحقير. وهي عبر هذه الآلية النفسية الدفاعية تعيد اعتبارها لنفسها، وتؤكد ذاتها، بالاعتماد على أوجاع الغير، ونكباته، وعذاباته، ومآسيه.

إنها في الحقيقة تعبّر عن القهر والشعور بالعجز والانحطاط الذي تجتره وتعيد إنتاجه..

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.